عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " داووا مرضاكم بالصدقة " – صحيح الجامع رقم 3358 أخرجه الطبراني و البيهقي
–
الإسلام هو دين التكافل الاقتصادي و الاجتماعي ودين التضامن
الاجتماعي ، فإذا كان التكافل هو التزام الأفراد بعضهم نحو بعض فإن الضمان
الاجتماعي هو التزام الدولة نحو مواطنيها ، وهو لا يتطلب تحصيل اشتراكات مقدما ،
وتلتزم الدولة بتقديم المساعدات للمحتاجين في الحالات الموجبة بتقديمها : كمرض أو
عجز أو شيخوخة متى لم يكن لهم دخل أو مرد رزق يوفر لهم حد الكفاية أي المستوى
اللائق للمعيشة
ولما كان الضمان الاجتماعي هو ضمان حد كفاية لكل فرد فإن ذلك
يكون الأساس الذي تقوم عليه مختلف أحكام الاقتصاد الإسلامي ، وهو المحور الذي تدور
حوله سائر تطبيقاته ، ذلك أن مشروعية الملكية في الإسلام متوقفة على ضمان حد
الكفاية ، كما أن هدف التنمية الاقتصادية في الإسلام هو توفير حد الكفاية أو ما
يعبر عنه بعض فقهاء الشريعة بمصطلح تمام الكفاية أو حد الغنى و إذا كان للزكاة
أبعاد اجتماعية فإن لها أيضا أبعاد علاجية وهذا في دفع أنواع البلاء عن المتصدق و
خاصة الأمراض القلبية و النفسية .
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعلى : " فإن للصدقة تأثيرا
عجيبا في دفع البلاء ، ولو كانت من فاجرا أو فاجرا أ وظالما ، بل من كافر ، فإن
الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء ، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم
وعامتهم ، و أهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه " – الوابل الصيب
–
وقال أيضا - رحمه الله تعالى- في زاد المعياد : " ها هنا من
الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقول أكابر الأطباء ، ولم تصل إليها
علومهم وتجاربهم و أقيستهم من الأدوية القلبية و الروحانية و قوة القلب و اعتماده
على الله و التوكل عليه ، و الالتجاء إليه ، و الإنطراح و الانكسار بين يديه ،
والتذلل له و الصدقة ، والدعاء ، والتوبة و الاستغفار و الإحسان إلى الخلق و إغاثة
الملهوف و التفريج عن المكروب ، فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف
أديانها و مللها فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم
الأطباء و لا تجربته و لا قياسه ، وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمور كثيرة و
رأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية " - زاد المعياد –
وقد ذكر الإمام المنذري في كتاب الترغيب و الترهيب ، هاتين
الحكايتين :
1 – قال ( روى البيهقي عن على بن شقيق قال : سمعت ابن المبارك ،
وسأله رجل : يا أبا عبد الرحمن . قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين ، وقد عالجت
بأنواع العلاج ، وسألت الأطباء ، فلم انتفع به . قال : اذهب ، فإنظر موضوعا يحتاج
الناس الماء ، فاحفر هناك بئرا ، فإني أرجو أن تنبع هناك عين ، ويمسك عنك الدم ،
ففعل الرجل ، فبرأ .
2 – وقال البيهقي : وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد
الله – رحمه الله - : " فإنه قرح وجهه ، وعالجه بأنواع المعالجة ، فلم يذهب ،
وبقى فيه تقريبا من سنة ، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعو له في
مجلسه يوم الجمعة ، فدعا له ، و أكثر الناس التأمين ، فلما كان يوم الجمعة الأخرى
ألقت امرأة في المجلس رقعة بأنها عادت إلى بيتها ، و اجتهدت في الدعاء للحاكم أبي
عبد الله تلك الليلة ، فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها
قولي لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين ، فجئت بالرقعة إلى الحاكم ، فأمر
بسقاية بنيت على باب داره ، وحين فرغوا من بنائها ، أمر بصب الماء فيها ، وطرح
الجمد – أي الثلج – في الماء ، و أخذ الناس في الشرب فما مر عليه أسبوع حتى ظهر
الشفاء ، وزالت تلك القروح ، وعاد وجهه إلى أحسن ما كان عليه و عاش بعد ذلك سنينا
" الترغيب و الترهيب
الزكاة تحمي من الأمراض النفسية
أجمعت الدراسات الحديثة أن المسلم الذي يؤدي فريضة الزكاة والذي
يتبعها بانشغاله في كيفية إيصالها لمستحقيها وفي كيفية مساعدتهم وحل مشاكلهم ،
أجمعت بان هذا المسلم لا يصاب بالانطواء و الانعزال و هو بداية مرض الاكتئاب النفسي
وهذا بسبب انشغال تفكيره عن ذاته بل كرس تفكيره في الفقراء وفي كيفية مد يد العون
لهم من صدقة وغير ذلك .
وكذلك ثبت أيضا أن الشعور بالسعادة والرضى بعد أداء الزكاة و
الصدقات يقوي جهاز المناعة فتكون الحماية و الوقاية من الأمراض المعدية وخطر
الأورام والسرطانات التي لا تنمو إلا بعد ضعف جهاز المناعة .
ومن جهة أخرى فإن أداء الزكاة لمستحقيها ينزع الغيظ و الكراهية
و الحسد من صدور الفقراء و المحتاجين فتسلم نفوسهم من الحسد والحقد وهما أسباب
الإصابة للأمراض النفسية
يقول الدكتور أحمد سامح : إن أداء فريضة الزكاة يجعل المسلم
يفكر في الآخرين وينشغل بالبحث عنهم عن طريق مساعدتهم وحل مشاكلهم وكيفية انتشالهم
من معاناتهم ، وهذا يجعل الإنسان يخرج من انطوائه وعزلته وينشغل عن التفكير في ذاته
الذي هو أهم الاكتئاب ، وكذلك البحث عن مستحقي الزكاة و إيصالها إليهم و التفكير في
حل مشاكلهم يعتبر من وسائل العلاج النفسي التي يستخدمها الطب النفسي في علاج
الاكتئاب
الزكاة علاج للحسد و الحقد
قد يتولد في نفوس بعض الفقراء و المحتاجين
وبضغط من الفقر و الحاجة وقسوة الحياة وصعوبة المعيشة والبعد عن الدين مر ض الحسد
الذي هو انفعال نفسي إزاء نعمة الله على بعض عباده مع تمنى زوالها و عندما يصل هذا
الانفعال النفسي بالإنسان إلى حد العمل من أجل زوال النعمة أصبح حقدا *
فالزكاة و الصدقة تمنع هذه الأمراض بحيث أن المزكي إذا أعطى
هذا الفقير أو المحتاج أو ساعد عباد الله بما أنعم الله عليه من رزق فهو بهذا يشفي
صدورهم ويطفئ نار الحسد و الحقد المشتعلة في نفوس المرضى ، ولهذا فإن الله عز وجل
أجب أن يعطى الفقير حقه مفروضا لاتطوعا ولامنة قال تعالى في محكم التنزيل " وفي
أموالهم حق معلوم للسآئل و المحروم " – الذاريات 19 – فالمسلم الغني يؤدي هذا
العمل طوعا طاعة لله عز وجل والتزاما بعبوديته .
- و الزكاة و الصدقة تطهر النفس من داء البخل و الشح و الطمع
"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها " – التوبة 103 –
وهي أيضا تربي النفس على الأمانة و الإخلاص و الإيثار و التراحم
و التضحية وهي بذلك تقضي على الرذائل الاقتصادية و النفسية ومنها : الغش و الغرور
و التدليس و الربا و القمار و أكل أموال الناس بالباطل.
وهي أيضا تعالج النفس الأمارة بالسوء ويأمن الجميع من الخوف فهي
تحصن المال وتصونه من تطلع الأعين و امتداد أيدي المجرمين و
اللصوص
ودين الإسلام يرسم صورة رائعة للعلاقة الأخلاقية بين دافع
الزكاة ومحصلها فيؤمر محصل الزكاة بالدعاء بالبركة للمعطيها ، عن عبد الله بن أبي
أوفى قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقاتهم قال : اللهم صل على
آل فلان . فأتاه أبي بصدقة فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى .
كذلك يؤمر دافع الصدقة أو الزكاة بحسن معاملة محصل الزكاة فلقد
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحسن معاملة عامل الصدقة حتى يؤدى عمله و ينصرف وهو
راض فقال : " إذا أتاكم المصدق فلا يفارقنكم إلا عن رضا " – أخرجه مسلم وأبو داود
والنسائي و الترميذي –
وهذه العلاقة الحسنة التي أمر بها ديننا الحنيف بين عامل الزكاة
وبين المملين دعامة قوية من دعامات نجاح نظام الزكاة كنظام مالي و مثل هذه العلاقة
الحسنة يندر أن توجد بهذه الأخلاقيات في غير الزكاة.
الزكاة وقاية من الأمراض السيكوسوماتيه ( النفسجسمانية
)
من الأمراض النفسجسمانية المعروفة و التي ثبت علاقتها بالحالة
النفسية قرحة الاثنى عشر و المعدة و التهاب القولون التشنجي بكل معاناته المزعجة من
آلام و انتفاخ و عسر هضم وتغيير في طبيعة الإخراج أو إسهال ، كذلك يعتبر ارتفاع ضغط
الدم من الأمراض التي تتأثر بالحالة النفسية كثيرا ، وكذلك يرتفع مستوى السكر في
الدم نتيجة القلق و التوتر الذي يتنج عن الانفعال النفسي بالحسد و السلوك
الحاقد
وثبت حديثا أن التوتر و القلق النفسي يرفع مستوى الكوليسترول في
الدم مما يؤدي إلى تصلب الشرايين كما يعمل الحقد و الحسد على ارتفاع هرمون الغدة
الدرقية الذي يؤثر في عمل جميع أعضاء الجسم و أجهزته كذلك من الامراض التي تتأثر
بالحالة النفسية الربو الشعبي و التهاب المفاصل التي ثبت علميا أنها تزداد عند
التوتر و القلق و الانفعال .
أما عندما تلبى حاجات المحتاجين وينتشلون من العوز و الحاجة
فإنهم بلا شك يشعرون بالسعادة و التفاؤل ، والسعادة و التفاؤل يعملان على جعل الجسم
يفرز هرمونات تساعد على تنشيط الدورة الدموية و تنظيم ضغط الدم و تهدئة القلب
وتسكين الآلام النفسية و العضوية وهذه الهرمونات يطلق عليها في الطب بهرمونات
السعادة و التي ثبت علميا أنها تقي من الإصابة بأمراض القلب و القرح الهضمية و
تشنجات القولون وغيرها من الأمراض الناتجة عن القلق النفسي
فوائد عامة للزكاة و الصدقة
- الزكاة تجلب المودة وتوطد روح الأخوة بين
المسلمين
- الزكاة تمنع البخل و هي رياضة للنفس و تمرين لها على
الكرم
- الزكاة صون للإنسان المزكي أو المتلقي فهي تصون المزكي من
الحسد وتصون المتلقي من الآفات الاجتماعية
- الزكاة و الصدقة صون للمتلقي من المسألة و المذلة و المهانة و
إراقة ماء الوجه
- الزكاة مطهرة للنفس و الأموال
- الزكاة طاعة لله عز و جل و امتثال لأوامره
* أنظر موضوع العين و الحسد
المصدر : كتاب فصول في طب الرسول صلى الله عليه
وسلم
[/center]