يمكن لجسم الإنسان الشاب أو الشخص الذي في منتصف العمر، أن يتحمل جرعات الأدوية الموصوفة بسهولة، ويمكن لهذه الأدوية أن تساعده كثيرا في التغلب على الأمراض، لكنها قد تتحول إلى مواد سامة في جسده حينما يتعدى عمره 65 سنة، وفقا أطباء اختصاصيين ألمان. وقد دعا هؤلاء الأطباء وفي ضوء الدراسات والإحصاءات الجديدة، إلى تقليص جرعات الأدوية عند المسنين.
بل إن بعضهم دعا إلى تقليصها إلى النصف خشية تعريض المريض لمضاعفات هذه الأدوية بعد سن الثمانين، مع ملاحظتهم أن هذه الأدوية قد تكون ضرورية لحياة المريض، مثل أدوية معالجة ضغط الدم أو التهاب القصبات المزمن وغيرها، إلا أن جسم الإنسان المسن يعجز نسبيا عن تحملها، وتتحول أحيانا إلى مواد سامة.
تسمم بالأدوية
التحذيرات الطبية جاءت بعد إحصائية أعلنها «اتحاد شركات التأمين الصحي التقنية» في ولاية بادن فورتمبيرغ الجنوبية الغربية في ألمانيا. وهي معطيات مستمدة من دائرة الإحصاء المركزية في فيزبادن. وتقول الإحصائية إن 1200 مسن نقلوا إلى مستشفيات ولاية بادن فورتمبيرغ عام 2011 وهم يعانون من حالات تسمم سببها تناول الأدوية بجرعات لا تتناسب مع قوة أجسادهم.
وكان كل ضحايا جرعات الأدوية الكبيرة ممن تعدت أعمارهم الـ65 سنة، وشكلت النساء نسبة الثلثين منهم. وأشار اتحاد شركات التأمين الصحي إلى أن الوضع في الولايات الألمانية الأخرى لا يختلف عما هو عليه في هذه الولاية الجنوبية الغربية حسب معطيات دائرة الإحصاء المركزية.
وقال أندرياس فوغت، رئيس اتحاد شركات التأمين، إن معظم هذه الأدوية عقاقير مهدئة، أو أدوية لمعالجة أمراض القلب والدورة الدموية، أو أدوية مضادة للاكتئاب وأخرى لمعالجة أمراض المعدة والجهاز الهضمي ككل.
وأشار خبير العقاقير إلى أن معظم هذه العقاقير كان المسنون يتناولونها بجرعات كبيرة، ولكن موصوفة من الأطباء، لكنها لم تكن تلائم أجسادهم وهم في هذه السن. وحذر من أن بعض هذه العقاقير يشكل مع الأدوية القاتلة للألم «كوكتيلا» من الأدوية الخطرة على أجساد المسنين.
هذا ليس كل شيء، لأن تقرير اتحاد شركات التأمين يشي بأن 27% من المسنين في ولاية بادن فورتمبيرغ تلقوا عام 2011 أدوية موصوفة من أطباء، لكنها سببت لديهم اختلاطات ومضاعفات خطيرة بسبب ترك تناولها لتقديرات المرضى أنفسهم.
وذكر فوغت أن المرضى المسنين يعيشون في غالب الأحيان بمفردهم، ولهذا، فإن ترك تقدير الجرعة لهم، أو على أساس الوصفة المرفقة بالدواء، قد يؤدي إلى تناول جرعات كبيرة.
وتم التوصل إلى نسبة الـ27% بعد تصنيف وفرز الأدوية التي منحت لمليون مريض مؤمن عليه لدى الشركات وتزيد سنه على 65 سنة. ولهذا فقد أعدت شركات التأمين قائمة «أدوية حرجة» من 83 عقارا أوصت بعدم وصفها للمسنين إلا في الحالات القصوى.
جرعات «كبيرة»
غيرد جليسكه، خبير العقاقير من جامعة بريمن، قال إن المسنين يعانون بشكل دائم من الأعراض الجانبية للأدوية التي يتعاطونها، لكنهم لا يشعرون بذلك بسبب «إدمانهم» عليها.
فالجرعة المعتدلة في سن الشباب تصبح جرعة فوق اللازم بالنسبة لجسم الإنسان المسن، ذلك لأن جسم المسن يتقبل جرعات الأدوية بشكل أبطأ من جسم الشاب، ولذلك فإنها تبقى في جسده فترة أطول أيضا.
الدكتور روديجر هولزباخ، المتخصص في معالجة إدمان الأدوية، أشار إلى أن حركة الأنسجة وعمل الأعضاء الحيوية في جسد المسن أبطأ أيضا. وهذا يضعف قدرة الجسم على التعامل مع الأدوية، ثم إن كمية الماء في أنسجة جسد الإنسان المسن أقل، ولذلك فإن الأنسجة أيضا أكثر «كثافة» ولا تستطيع تقبل الأدوية بسهولة، هذا ينطبق على الأدوية المهدئة والمخففة للألم أكثر من غيرها.
المركز الألماني لأبحاث الإدمان DHS أجرى دراسات حول الاختلاف بين أجساد الشباب والمسنين من ناحية تقبل الأدوية، ودعا على أثرها إلى تقليل جرعات الأدوية بنسبة 10% عند الأشخاص ممن تزيد سنهم على 65 سنة. ويمكن بعدها تقليص الجرعة بنسبة 10% لكل عقد من السنين يزيد على 65 سنة. ويمكن تقليصها أكثر بالقياس إلى وزن الجسم وبقية أنواع الأدوية التي يتعاطاها المسن.
50% من المسنين فوق 65 سنة يعانون من مرض واحد على الأقل، مع نسبة أكبر منهم يعانون من أكثر من مرض. ولأن هذه الأمراض مختلفة، مثل مرض في القلب وآلام في العمود الفقري، يزور المسن أكثر من طبيب، ويصف كل طبيب العلاج المناسب، حسب خبرته، بغض النظر عما يكتبه الطبيب الآخر.. ولهذا، فإن احتمالات المضاعفات والاختلاطات تزداد أيضا، بل وتتضاعف إذا كان المريض يتعاطى الكحول ويدخن النيكوتين.
وتكشف إحصائية اتحاد شركات التأمين أن 10% من المسنين تم إحضارهم مرة إلى المستشفيات بسبب اختلاطات ومضاعفات الأدوية التي يتعاطونها.
الدكتورة كريستا ميرفرت - ديتا، من المركز الألماني لأبحاث الإدمان، حذرت من مشكلة أخرى تتعلق بالمسنين والمعانين من النسيان والخرف، فمعظم هؤلاء المرضى يتناولون عدة أدوية في اليوم الواحد، وكثيرا ما يخطئون في الأدوية، رغم أن الأطباء يصنفونها لهم حسب اللون.
وما زال الأطباء يتركون للمسنين، كما هي الحال مع الشباب، قرار تناول الأدوية غير المشروطة بوصفات الأطباء. وفي رأيها، فإنه من الضروري اليوم فرز الأدوية الأخيرة، التي تعتبر بريئة، أيضا بألوان أخرى منعا للوهم والاختلاطات.