على الرغم من أن الحمل حدث فسيولوجي طبيعي يحدث في
كل الكائنات الحية التي تتكاثر بهذه الطريقة، إلا أنه لدى المرأة يحمل الكثير من
الارتباطات والدلالات البيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تؤثر في استقبال المرأة
لهذا الحدث وتقبلها أو رفضها له والتفاعل مع الجنين سلباً أو إيجاباً حتى لحظة
الولادة . وتعتمد اتجاهات المرأة نحو الحمل على العوامل
التالية:•الإحساس بالهوية الأنثوية: فكلما كانت المرأة متقبلة لدورها
الأنثوي وفخورة به، كلما كانت فرحة بالحمل ومتقبلة له وفخورة به، وهذا يجعل فترة
الحمل من الفترات السعيدة في حياتها (رغم المتاعب الجسدية) ودائماً تتحدث عنها وعن
تفاصيلها بفخر وسعادة. أما المرأة الكارهة لدورها الأنثوي (المسترجلة) فإنها تتأفف
من الحمل وتعاني معاناة شديدة في كل مراحله، فتجدها كثيرة الشكوى من الأعراض
الجسدية والنفسية طوال فترة الحمل، وهي تخجل من مظاهر الحمل وتتوارى عن الناس كلما
كبر بطنها وربما تخفي خبر الحمل لعدة شهور. •المعتقدات السائدة حول الحمل والولادة:
فهناك بعض السيدات ينظرن إلى الحمل على أنه حدث فسيولوجي طبيعي مثل سائر أنشطة
الجسم، ولذلك يتفاعلن معه ببساطة شديدة، في حين أن البعض الآخر تكون لديهن معتقدات
مخيفة عن الحمل والولادة مثل “دخول روح في روح” و“خروج روح من روح و “زلزال يهدد
سلام المرأة وحياتها” و “من تنجو منه كتب لها عمر جديد”. وهذه المعتقدات المخيفة
تجعل المرأة في حالة توتر ورعب طوال فترة الحمل. •توقيت الحمل: فالحمل في بداية
الزواج له فرحته واستقباله الإيجابي، في حين أن الحمل لدى امرأة في نهاية
الأربعينات من عمرها لا تكون له مثل هذه المشاعر، بل على العكس تنزعج منه المرأة
وتخجل من إعلانه. •التخطيط للحمل: فكلما كان الحمل مخططاً له ومتوقعاً حدوثه كلما
كان استقباله مريحاً. أما الحمل المفاجئ فربما يقابل بالإنكار والرفض. •الرغبة في
الحمل: فالمرأة العقيم التي انتظرت الحمل سنوات عديدة تستقبل حملها بفرحة عارمة
تنسى معها كل متاعبها، أما المرأة التي تعاني من كثرة العيال فإنها ربما تصدم بخبر
حمل جديد لا ترغب فيه نظراً لظروفها الصحية أو الاجتماعية أو النفسية. والجنين يشعر
برغبة الأم فيه أو عدم رغبتها وذلك من خلال المواد الكيميائية التي تفرزها غدد الأم
فهي تختلف في حالة القبول للحمل عنها في حالة رفضه، ولذلك فالحمل المرفوض من الأم
غالباً ما ينتج عنه طفل مضطرب نفسياً (عنيد، عدواني، شارد أو منطو) خصوصاً إذا قامت
الأم بمحاولات فاشلة للإجهاض، فالجنين تصله رسائل بيولوجية منذ أيامه الأولى بأنه
مرفوض. والغريب أن الطفل تظل لديه مشاعر الرفض بعد ذلك حتى ولو تغير موقف الأم منه
بعد ولادته، وكأن هذه المشاعر طبعت بيولوجياً في خلاياه قبل أن يكون له جهاز نفسي
يستقبلها ويفهمها. •العلاقة بالزوج: فكلما كان الزوج محبوبا كان الحمل منه مرغوبا،
وعلى العكس فإن المرأة التعسة في حياتها الزوجية تشعر بأن الحمل عبئاً ثقيلاً عليها
لأنه يربطها بزوج تكرهه، وهي تشعر أنها تحمل في أحشائها جزءا من هذا الزوج المرفوض.
وهذه الأم تحمل مشاعر متناقضة نحو الجنين وكأنها تكره فيه الجزء القادم من زوجها
وتحب فيه الجزء القادم منها، لذلك تكون في صراع بين الرفض والقبول طوال شهور
الحمل. سيكولوجية الحمل تعتمد سيكولوجية الحمل على الاتجاهات نحو
الحمل السالف ذكرها، فإذا كانت هذه الاتجاهات إيجابية في مجملها فإن الحمل يعتبر
تحقيقاً للذات وتأكيداً للهوية الأنثوية، وهو عملية إبداعية تشبع حاجات نرجسية
أساسية للمرأة، حيث تشعر أنها قادرة -بإذن الله- على أن تمنح الحياة مخلوقاً جديداً
يكون امتداداً لها ولزوجها، وسنداً وعزوة وأماناً من الوحدة والضياع. أما إذا كانت
هذه الاتجاهات نحو الحمل سلبية في مجملها، فتسود لدى المرأة الحامل مشاعر الرفض
والاشمئزاز والغضب، ويصبح لديها خوف شديد من الولادة قد يصل إلى درجة الرهاب (الخوف
المرضي) وخوف من مسؤولية الأمومة والشعور بثقل العبء في استقبال الطفل ورعايته.
والحمل في هذه الظروف ربما يوقظ في الأم ذكريات المراحل الأولى لنموها الشخصي، بما
يصاحبها من خوف الانفصال عن الأم. وفي هذه الظروف السلبية تصبح المرأة أكثر قابلية
للقلق والاكتئاب والوساوس والأعراض النفسجسمية وربما الذهان. الارتباط
النفسي بين الام والجنين •في الثلث الأول من شهور الحمل تنشغل المرأة
بمشاعر القبول أو الرفض لهذا الكائن الجديد الذي ينمو في أحشائها وتتفاعل إيجابا
وسلبا طبقا لذلك.•أما في الثلث الثاني (من بداية الشهر الرابع إلى نهاية الشهر
السادس) حيث تشعر بحركة الجنين، فتبدأ الأم في تكوين صورة ذهنية لهذا الجنين، وتصبح
أكثر سعادة به في حالة قبولها له من البداية أو أكثر استسلاما للأمر الواقع في حالة
رفضها له من البداية. •فإذا وصلنا للثلث الأخير من الولادة (من بداية الشهر السابع
من الولادة) فإن الأم تشعر بالجنين على أنه كائن مستقل له صفات شخصية مميزة تجعله
مختلفاً عن أشقائه الذين سبقوه، وهي تعيش بعقلها ووجدانها معه حيث تشعر في لحظة ما
أنه سعيد ويتحرك، وفي لحظة أخرى أنه جائع، وفي لحظة ثالثة أنه نائم ، وفي لحظة
رابعة أنه غاضب، وهكذا. وفي هذه المرحلة تسقط الأم مشاعرها الإيجابية والسلبية على
الجنين، ففي حالة سعادتها يمثل الجنين الجزء المحبوب من ذاتها فتسقط عليه مشاعر
القبول والفرح، وفي حالة شقائها يمثل الجنين الجزء المكروه من ذاتها فتسقط عليه
مشاعر الرفض والغضب وأمنيات الإيذاء. وهذه الاسقاطات تمتد إلى ما بعد الولادة وتؤثر
في علاقة الأم بطفلها إيجابا وسلباً، فالأم المضطربة نفسياً بعد الولادة حين تحاول
إيذاء طفلها فهي بذلك تؤذي الجزء المكروه من ذاتها. سيكولوجية زوج المرأة
الحامل يشعر الزوج بالفخر أن زوجته أصبحت حاملاً لأن ذلك يؤكد رجولته
وقدرته على إنجاب مثله، ولكن يخالط ذلك الشعور مشاعر أخرى منها الشعور بالذنب تجاه
زوجته التي تعاني متاعب الحمل، والشعور بالغضب أحياناً، لأن زوجته لم تصبح ملكاً له
وحده، بل انشغلت اكثر الوقت بحملها، والشعور بثقل المسؤولية حيث سيصبح أباً لطفل
يحتاج لرعاية. وإذا كان الزوج على درجة كافية من النضج الانفعالي، فإنه سيتجاوز هذه
الفترة بشكل صحي وينمو معها، أما إذا كان غير ناضج فانه ربما يعاني بعض أعراض القلق
أو الاكتئاب أو الغيرة أو بعض الأعراض النفسجسمية.