[center]أيهما أفضل قراءة سورة من القرآن بتدبر وفهم أم قراءة القرآن كله
من غير تدبر ؟
ننقل ههنا كلاما نفيسا للعلامة ابن
القيم رحمه الله ، يبين فيه أقوال العلماء في المفاضلة بين قراءة القدر اليسير من
القرآن بتدبر وفهم ، وبين قراءة القدر الكثير من القرآن من غير تدبر ولا تفكر
.
يقول ابن القيم رحمه الله :
" اختلف الناس في الأفضل من الترتيل
وقلة القراءة ، أو السرعة مع كثرة القراءة : أيهما أفضل ؟ على قولين :
فذهب
ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة
أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها .
واحتج أرباب هذا القول بأن المقصود من
القراءة فهمه ، وتدبره ، والفقه فيه ، والعمل به ، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه
، كما قال بعض السلف : نزل القرآن ليعمل به ، فاتخذوا تلاوته عملا ، ولهذا كان أهل
القرآن هم العالمون به ، والعاملون بما فيه ، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب ، وأما من
حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله ، وإن أقام حروفه إقامة السهم
.
قالوا : ولأن الإيمان أفضل الأعمال ، وفهم القرآن وتدبره هو الذي يثمر
الإيمان ، وأما مجرد التلاوة من غير فهم ولا تدبر فيفعلها البر والفاجر والمؤمن
والمنافق ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ومثل المنافق الذي يقرأ القران
كمثل الريحانة : ريحها طيب ، وطعمها مر ).
والناس في هذا أربع طبقات : أهل
القرآن والإيمان ، وهم أفضل الناس .
والثانية : من عدم
القرآن والإيمان .
الثالثة : من أوتي قرآنا ولم يؤت إيمانا
.
الرابعة : من أوتي إيمانا ولم يؤت قرآنا .
قالوا :
فكما أن من أوتي إيمانا بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآنا بلا إيمان ، فكذلك من أوتي
تدبرا وفهما في التلاوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر .
قالوا
: وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول
منها ، وقام بآية حتى الصباح .
وقال أصحاب الشافعي رحمه الله : كثرة القراءة
أفضل ، واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول
الم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف ) رواه الترمذي وصححه .
قالوا
: ولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة ، وذكروا آثارا عن كثير من السلف في كثرة
القراءة .
والصواب في المسألة أن يقال :إن
ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا ، وثواب كثرة القراءة أكثر عددا
:
فالأول : كمن تصدق بجوهرة عظيمة ، أو أعتق
عبدا قيمته نفيسة جدا .
والثاني : كمن تصدق
بعدد كثير من الدراهم ، أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة .
وفي " صحيح
البخاري " عن قتادة قال : سألت أنسا عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (
كان يمد مدا ) .
وقال شعبة : حدثنا أبو جمرة ، قال : قلت لابن عباس : إني
رجل سريع القراءة ، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين ، فقال ابن عباس : لأن
أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل ، فإن كنت فاعلا ولا بد فاقرأ
قراءة تسمع أذنيك ، ويعيها قلبك .
وقال إبراهيم : قرأ علقمة على ابن مسعود -
وكان حسن الصوت – فقال : رتل فداك أبي وأمي ، فإنه زين القرآن .
وقال ابن
مسعود : لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر ، ولا تنثروه نثر الدقل ، وقفوا عند عجائبه ،
وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة .
- والهذّ : سرعة القراءة
، والدَّقَل : رديء التمر -.
وقال عبد الله أيضا : إذا سمعت الله يقول : (
يأيها الذين آمنوا ) فأصغ لها سمعك ، فإنه خير تؤمر به ، أو شر تصرف عنه . "
انتهى.
" زاد المعاد " (1/337-340)
وانظر جواب السؤال رقم : (4040)،
(131788)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب