[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بسم الله الرحمان الرحيم
هل تستحق الدنيا كل هذا العناء؟
بقلم: مداسي حسان
لقد خلق الله سبحانه الانسان في هذه الحياة الدنيا لغاية سامية ومهمة نبيلة،ألا وهي طاعة الله وعبادته،قال عز وجل :"وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"(01)،والعبادة هي بمفهومها الشامل الذي لا يقتصر على الشعائرفقط كالصلاة والزكاة والصيام وانما تتعداها الى المعاملات والأخلاق والاحكام الفردية و الجماعية وحتى على مستوى الفهوم والافكار والتصورات،مصداقا لقوله تعالى :"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"(02)،ولا تتم هذه الوظيفة العظيمة الا اذا كان الانسان خليفة في الارض عاملا على عمارتها وتشييد الحضارة والمدنية بما تتطلب من العلوم والمعارف والمهارات والخبرات الضرورية.
وفي خضم هذا الجهد البشري والعمل الانساني الحثيث يقف الانسان امام امرين اساسيين ومحوريين لا بد له من الفصل فيهما فهما ومنهجا وسلوكا وتطبيقا،ألا وهما الدنيا والآخرة.
فالانسان وهو بعيد عن الوحي الإهي والنور الرباني ،تستحوذ عليه الدنيا بكل شهواتها ورغباتها ومتطلباتها فتكون هي أكبر همه ومنتهى غاياته وأرقى طموحاته،فيصبح كل نظر ينظره او فهم يفهمه او جهد يبذله او مشروع يسعى لتحقيقه إنما هو دنيوي بحت لا علاقة له بالآخرة.
بينما من آتاه الله علما ومعرفة به وبكتابه وسنة نبيه ،فإنه يملك بفضل الله وعونه فهما سليما وتصورا صحيحا وفقها لحقائق الأمور والأشياء،فهو يعرف الدنيا وما تستحق من الجهد والعمل،لقد آتاه الله ميزانا دقيقا يستمد قبسه من نور الكتاب والسنة،قال سبحانه:"وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين"(03).
والإنسان وهو يكابد مشاق الحياة سواء كان مستنيرا عارفا أو مطموس البصيرة،فالحياة بطبيعتها هي مشاق وصعوبات في كل شأن من الشؤون أو أمر من الأمور،فأما من آتاه الله نورا فإنه يتعامل مع هذه الصعوبات بالحكمة والصبر والروية، ولا يعطي الدنيا اكثر مما تستحق من التفكير والهم والجهد والعمل،أما من فقد هذا النور الإلاهي والتوفيق الرباني فإنه يهيم في هذه الدنيا على وجهه، يجري وراءها كالوحش في البرية،لا يقنعه عطاء لا يرضيه رزق ساقه الله إليه،يضيق صدره لأقدار الله فتجده ساخطا ،متضجرا، سيء المزاج.لقد نسي هذا المسكين مقامه الحقيقي،أنه عبد لله ، ومقام العبودية يقتضي الرضى والتسليم والإنقياد لأمر الله..فكيف يجد السعادة من كان هذا حاله وليته يدري الى أين مآله.
قال عليه الصلاة والسلام:" من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره و جعل فقره بين عينيه و لم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، و من كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره و جعل غناه في قلبه و أتته الدنيا و هي راغمة"(04) .
ان هذه الحياة الدنيا بما فيها من أمور وأشياء كثيرة من ضرورات وحاجيات وكماليات من شؤون معقدة ومتشابكة قد يفني الإنسان فيها عمره في الكد والجهد ولا يبلغ من مراميه وطموحاته إلا القليل .
فالمال والعمل والسكن والصحة والزواج والأولاد والرخاء والهناء و السعادة وغيرها هي مما يريد أن يحققه الإنسان في هذه الدنيا، وقد يبذل لتحقيق هذا جهدا ووقتا ومالا الله وحده من يعلمه ولكن قد يبالغ الإنسان فيزيد من همه وغمه لتحقيق هذه الأهداف حتى يصير الى حالة من العناء ومن المعاناة،فلا يطيب له أكل ولا شرب لا نوم ولا يقظة ولا يجد لذة للملذات ولا يمتعه النظر للجمال الذي أودعه الله في خلقه،فتصير حياته شقاء في شقاء.
إن هذه الحياة الدنيا لا تستحق كل هذا العناء،فهي دار نقص وفناء وليست دار للمقام إنما هي إمتحان واختبار،اما الآخرة فهي دار كمال وبقاء وهي دار القرار والجزاء الأبدي،قال تعالى:"بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى"(05).
ينبغي أن يعيش الإنسان في الدنيا مع الله مع كتابه وسنة نبيه ،فمن عاش مع الله آتاه الله علما بحقائق الأمور،فيرى الأشياء على حقيقتها،ويقدرها حق قدرها حتى لا يختل ميزانه ويحار عقله ويصير أمره فرطا.
أخي..إنني وإياك نريد نجاحا وفلاحا وسعادة في الدنياوالآخرة، فعلينا بما أوصى به كتاب الله سنة رسوله ، ومن خير الوصايا:
قال تعالى:"ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً"(06).
وقال أيضا:"وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا"(07).
قال رسول الله : " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة رسوله"(08).
(01)-سورة الذاريات الآية 56-58.
(02)-سورة الأنعام الآية 162-163.
(03)-سورة القصص الآية 77.
(04)-قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 671 :
أخرجه ابن ماجه ( 2 / 524 - 525 ) و ابن حبان ( 72 ) من طريق شعبة عن عمرو بن سليمان قال : سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان ابن عفان عن أبيه عن زيد بن ثابت مرفوعا .
قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات كما قال في " الزوائد " .
(05)-سورة الأعلى الآية 16-17.
(06)-سورة الأحزاب الآية 71.
(07)-سورة الطلاق الآية 02-03.
(08)- قال الالباني :
186 - [ 47 ] (حسن)،رواه مالك بن أنس في الموطأ مرسلا.
الأربعاء 11 جويلية 2012.
الموافق ل: 21 شعبان 1433.
توقيع : مداسي حسان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]