ما بين اليدين قصة ... !!! بقلم الدكتور أحمد عوض بيصار.
بدأت الحكاية عندما لاحظ طبيب شاب يدعى ميشيل هاريسون وكان حينها فى سنة الامتياز قبل التخصص ... لاحظ أن هناك أطفال يولدون ويموتون فور ولادتهم ...
لم يشغله شىء حينها أكثر من دمعة أم فقدت للتو وليدها بعد أشهر من الحمل والتعب وبعد طول انتظار ... قد يكون الطفل أول وآخر ماسترزق تلك الأسرة وقد يكون أتى بعد مشقة بين الأطباء .. انشغل حينها بالبحث فى حق الحياة ... لم يفكر مثلما فكر كثيرون من السياسيين ورجال الدين فى الولايات المتحدة ساعتها بالحق فى الإجهاض وقتل الجنين وما تشرعه الولايات المختلفة من قوانين تحمى بها انحلالا حل بمجتمعهم فى تلك الفترة واستمر حتى الآن وإنما أراد أن يؤكد على الحق فى الحياة للإنسان حتى قبل ولادته ...
بحث فى ذلك الأمر ووجد أمراض عديدة وتشوهات جنينية تحدث للأجنة وكان أكثرها شيوعا حينها مرض يدعى بفتق الحجاب الحاجز عندما ينشأ الجنين وقد امتدت الأمعاء عبر الحجاب الحاجز - بسبب هذا الفتق الموجود به - لمنطقة الصدر وضغطت على الرئة فمنعت من نموها بشكل سليم .. فيولد الطفل وما إن يبدأ فى أول شهقة يبحث عنها فلا يجدها إذ لم تتكون الرئة بشكل سليم فيموت الطفل فى الحال ...
كان الأطباء يكتشفون هذا المرض فى الشهر السادس أو السابع بوضوح عن طريق الأشعة التليفزيونية ولكنهم يعجزون ...
هو لم يعجز ...
فكر وفكر .. ثم نظر إلى كل الحلول الممكنة وجاءته الفكرة ... أن يزرع بالونا فى القصبة الهوائية بطريقة جديدة ومعقدة تمنع الأمعاء من أن تصل إلى الصدر وتتيح للرئة أن تنمو بشكل سليم .. ثم تتم ولادة الطفل قيصريا وإزالة البالون قبل قطع الحبل السرى ثم تبدأ الرئة فى العمل تلقائيا وقد نمت جيدا !!!
هذا جنون !!! منذ أكثر من أربعين عاما كانت نسبة الوفيات للاطفال فى مصر والعالم العربى تصل إلى معدلات خطيرة لأسباب كثيرة ... وهذا الرجل فكر أن ينقذ حياة جنين من الموت ... قبل أن تبدأ !!!
ساعتها أبلغ رئيسه بالعمل بتلك الفكرة ... للأسف لم يتحمس ... اعتبرها جنونا ... ولكنها لم تمت فى قلب الطبيب الشاب ... لقد قرر أن ينجح رغم أنف الشيوخ والعقول المتحجرة التى سئمناها كأطباء وباحثين فى عالمنا الثالث ...
قرر أن يتخصص فى جراحة الأطفال ... ثم اتجه ودرس طب التوليد والأجنة .. ثم درس طب الأزمات ... فحصل على شهادات تؤهله للعمل كجراح للأطفال وطبيب للولادة وكطبيب حالات حرجة ...
كان هذا الطبيب يريد أن يؤسس علما فجاب الولايات المتحدة شرقا وغربا تعليما وتدريبا وبحثا حتى ينفذ فكرته ...
بعدها صمم المشروع متكاملا ... كان يريد أن يستفيد من مؤسسة تتميز بها بلاده وهى معاهد الصحة الأمريكية NIH وهى المخولة برعاية الأبحاث الطبية والمشروعات ذات القيمة فبعث إلى جامعات أمريكا المختلفة و فى النهاية وافقت جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو على تبنى مشروعه بمنحة من الحكومة الأمريكية ...
هنا بدأ الحلم ... قام بإجراء ألف عملية جراحية فى حيوانات تجارب متعددة ... كان الموضوع صعبا للغاية مرت سنوات على هذا العمل الشاق ... بحث فى كل أمراض الأجنة .. قام بتدريب أطباء التخدير والأشعة والجينات والأطفال والتوليد وأمراض النساء والتخدير والحالات الحرجة وجراحات المخ والأعصاب والمسالك .. فكون فريقا متكاملا لجراحة الأجنة ...
وبنى أول و أكبر مركز فى العالم لجراحات الأجنة ....
ترى فى الصورة اليمنى هنا يدا لجنين فى الشهر السادس تنتشلها يد الجراح ... لم تكن هذه اليد لغريق أو لمدفون تحت الرمال أو لشخص كاد أن يسقط مع أعلى ... بل لمخلوق لم يكتب بعد فى عداد الأحياء ... لكيان كاد أن يغرق فى طى النسيان ويسقط من دفاتر الكتب و يدفن بلا هوية وشاهد قبر ...
انه لشعور أكثر من رائع أن تمنح الحياة – بإذن ربك ومولاك – قبل أن تبدأ ... إنها معجزة من معجزات الخالق ...
وإنه لشعور أكثر من رائع عندما ترى تلك اليد فى الصورة اليسرى وقد امتدت من داخل الرحم قبل إغلاقه لتشكر طبيبها ومنقذها ان أعطاها الأمل قبل أن تعرف معناه وأعطاها حياة عسى أن تنفع بها البشرية يوما ما ...
إنه تحد لفكرة ولهدف فى الحياة ...
جميل ورائع أن تكون صاحب فكرة مجنونة وتبحث عنها طالما أنها فكرة قابلة للتنفيذ من وجهة نظرك أنت ... وطالما أنها مقبولة لدى الله ... أخلاقيا ومهنيا وفكريا لا تختلف عن مبادئك التى لا تتجزأ ...
ليس البشر حقول تجارب ... ولكن الحياة حق لكل مخلوق ... فما بالك بجنين عاجز عن فعل شىء بل وحتى عاجز عن الحياة ...
تحية لهذا الجراح ومن سار على دربه فى العالم كله ...
تحية لمؤسسات علمية ترعى الأبحاث ولا تلتفت لتفاهات سياسية وميول فكرية اختنقنا بها وكأن الحياة فى أمتنا تتوقف على الدستور ومجلس الشعب وكأن جنينا مثل هذا سينتظر قرارات من الساسة حتى يولد ... أو معونات من الغرب ...
أفيقوا أيها العرب ... فأمة الغرب تعمل من أجل أبنائها فقط ... أما نحن فتلقى لنا بفتات العلم والتقدم والازدهار ...
تحية إلى العلم والعلماء فى أمتنا العربية المجيدة ... وإلى القائمين على رعايتهم ... لقد تأخرتم كثيرا عن ركب التقدم فى الدنيا كلها ... نقتل فى أنفسنا من أجل رأى يخالفنا فترى العالم والطبيب يقتلون بلا ذنب ...
أما حافظنا على حياة البشر أيها السادة ... !!!!
دول ترعى أبناءها حتى الأجنة قبل أن تولد ... ونحن نقتل أطفالنا وشبابنا وشيوخنا ...
د.أحمد عوض بيصار