*** الحلقة 1 :
_________
مقدمة
فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله
تأليف: عبد المحسن بن حمد العباد البدر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مجزل العَطاء ومسبغ النِّعم، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ذو الفضل والإحسان والجود والكرم، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله سيِّد العرب والعجم، المخصوص من ربِّه بجوامع الكلم، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله أهل المكارم والشِّيَم، وعلى أصحابه مصابيح الدُّجَى والظُّلَم، الذين أكرمهم الله فجعلهم خير أمَّة هي خير الأمم، وعلى كل مَن جاء بعدهم مقتفياً آثارهم، وقد خلا قلبُه من الغلِّ للمؤمنين وسلِم.
أمَّا بعد، فإنَّ من الموضوعات التي ألَّف فيها العلماء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث الأربعين، وهي جمع أربعين حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لحديث ورد في فضل حفظ أربعين حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر النووي في مقدمة الأربعين له وروده عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سمَّاهم، وقال: "واتَّفق الحفاظ على أنَّه حديث ضعيف وإن كثُرت طرقُه"، وذكر أنَّ اعتمادَه في تأليف الأربعين ليس عليه، بل على أحاديث أخرى، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ليبلِّغ الشاهد منكم الغائب"، وقوله: "نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها" الحديث، وذكر ثلاثة عشر من العلماء ألَّفوا في الأربعين، أولهم عبد الله بن المبارك، وآخرهم أبو بكر البيهقي، وقال بعد ذكرهم: "وخلائق لا يُحصون من المتقدِّمين والمتأخرين"، وقال: "ثم مِن العلماء مَن جمع الأربعين في أصول الدِّين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب، وكلُّها مقاصد صالحة رضي الله تعالى عن قاصديها، وقد رأيتُ جمع أربعين أهم من هذا كلِّه، وهي أربعون حديثاً مشتملة على جميع ذلك، وكلُّ حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدِّين، قد وصفه العلماء بأنَّ مدارَ الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام أو ثلثه أو نحو ذلك، ثم التزمتُ في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، ومعظمها في صحيحي البخاري ومسلم، وأذكرها محذوفة الأسانيد ليسهل حفظها ويعم الانتفاع بها إن شاء الله ... وينبغي لكلِّ راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث لِمَا اشتملت عليه من المهمَّات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات، وذلك ظاهر لِمَن تدبَّره".
والأحاديث التي جمعها النووي رحمه الله اثنان وأربعون حديثاً، قد أطلق عليها أربعين تغليباً مع حذف الكسر الزائد، وقد رُزق هذا الكتاب للنووي مع كتابه "رياض الصالحين" القبول عند الناس، وحصل اشتهارهما والعناية بهما، وأوَّلُ كتاب ينقدح في الأذهان يُرشَد المبتدئون في الحديث إليه هذه الأربعون للإمام النووي رحمه الله، وقد زاد ابن رجب الحنبلي رحمه الله عليها ثمانية أحاديث من جوامع الكلم، فأكمل بها العدَّة خمسين، وشرحها بكتاب سَمَّاه: "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم"، وقد كثرت شروح الأربعين للإمام النووي، وفيها المختصر والمطوَّل، وأوسع شروحها شرح ابن رجب الحنبلي رحمه الله، وقد رأيتُ شرح هذه الأربعين مع زيادة ابن رجب شرحاً متوسِّطاً قريباً من الاختصار، يشتمل شرح كلِّ حديث على فقرات، وفي ختامه ذكر شيء مِمَّا يُستفاد من الحديث، وقد استفدت في هذا الشرح من شروح النووي وابن دقيق العيد وابن رجب وابن عثيمين للأربعين، ومن فتح الباري لابن حجر العسقلاني، وسمَّيتُه: فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمَّة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله، والمتين من أسماء الله، قال الله عزَّ وجلَّ في سورة الذاريات: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) ، ومعناه: شديد القوة، كما جاء في كتب التفسير، وإنِّي أوصي طلبة العلم بحفظ هذه الأحاديث الخمسين، التي هي من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن ينفع بهذا الشرح كما نفع بأصله، إنَّه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيِّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.