قال تعالى في سورة الجمعة :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
إنما سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقّة من الجمْعِ ، فإن أهل الاسلام يجتمعون فيه في كل اسبوع مرة بالمعابد الكبار .
هو اليوم السادس الذي أكمل الله فيه جميع الخلائق ، وفيه خلق آدم ، وفيه أُدخل الجنة ، وفيه أُخرِج منها ، وفيه تقوم الساعة ، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحاح .
وكان يقال في اللغة العربية القديمة يوم العروبة ، وثبت ان الأمم قبلنا أُمروا به فضلُّوا عنه .
روى مسلم في صحيحه : [ أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد ، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا ، والأولون يوم القيامة المقضيُّ بينهم قبل الخلائق ] اخرجه البخاري كلاهما عن أبي هريرة .
وقد أمر الله المؤمنين في هذا اليوم بالاجتماع لعبادته فقال جلّ وعلا : {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فأسعوا إلى ذكر الله} أي : أقصدوا واعمدوا ، واهتموا في سيركم اليها ، وأما المشي السريع فليس هو المقصود فإنه منهي عنه لما اخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا سمعتم الاقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا ، فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتموا ]
وقوله تعالى : {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} المراد : النداء الثاني الذي كان يفعل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج فجلس على المنبر فإنه كان حينئذ يؤذن بين يديه فهذا هو المراد وذلك النداء هو الذي يحرُم عنده الشراء والبيع إذا نوديَ به .
أما النداء . . . الذي زاده أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه فإنما كان لكثرة الناس .
{وذروا البيع} أي : أتركوا البيع إذا نودي للصلاة ، وامضوا اليها .
وقوله تعالى : {ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون} أي ترككم البيع واقبالكم إلى ذكر الله والى الصلاة خير لكم في الدارين .
قال تعالى في سورة الجمعة : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
قال تعالى : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) أي : لطلب المكاسب والتجارات ،
ولما كان الإشتغال في التجارة مظنة الغفلة عن ذكر الله ، أمر الله بالإكثار من ذكره ، فقال : {واذكروا الله كثيرا} أي : في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم (لعلكم تفلحون) فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح .
( سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله )
• قال تعالى : {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} ،
{انفضوا إليها} أي : خرجوا من المسجد حرصا على ذلك اللهو وتلك التجارة وتركوا الخير ، وتفرقوا عنك {وتركوك قائما} تخطب الناس ، وذلك في يوم جمعة ، بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، قدمت عير إلى المدينة ، فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إثنا عشر رجلا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [والذي نفسي بيده ، لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحدا لسال ، بكم الوادي نارا ]
ونزلت هذه الآية. {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} ،
{قل ما عند الله خير} أي : من الأجر والثواب لمن لازم الخير ، وصبر نفسه على عبادة ربه ، {خير من اللهو والتجارة} وليس الصبر على طاعة الله مفوتا للرزق ، فإن الله خير الرازقين ، فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب .