( ١ )
قال تعالى في سورة الكهف : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)
• ذكر ما ورد في فضلها :
روى الإمام أحمد عن البراء يقول : [ قرأ رجل الكهف وفي الدار دابة ، فجعلت تنفر ، فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : « إقرأ فلان فإنها السكينة تنزل عند القرآن أو تنزلت للقرآن » ] اخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به وهذا الرجل الذي كان يتلوها هو أسيد بن الخضير .
روى الامام احمد عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال ] رواه مسلم وابو داود والنسائي والترمذي
من حديث قتادة به ، ولفظ الترمذي : [ من حفظ ثلاث آيات من أول الكهف ] وقال حسن صحيح .
روى الامام احمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال ] ورواه مسلم أيضا والنسائي من حديث قتادة به ولفظ النسائي : [ من قرأ عشر آيات من الكهف . . . ] فذكره .
واخرج الحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : [ من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين الجمعتين ] ثم قال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه .
• قال تعالى : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب }
يحمد تعالى نفسه المقدسة ، عند فواتح الأمور وخواتمها ، فإنه المحمود على كل حال ، وله الحمد في الأولى والآخرة ، ولهذا مدح نفسه على انزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله عليه وسلامه . فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض اذ اخرجهم به من الظلمات إلى النور ، حيث جعله كتابا مستقيما لا اعوجاج فيه ولا زيغ بل يهدي إلى صراط مستقيم واضحا بيّنا ، نذيرا للكافرين ، بشيرا للمؤمنين : { ولم يجعل له عوجا } أي : ليس معوجا ولا مائلا
( ٢ )
( سورة الكهف )
قال تعالى في سورة الكهف : { قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا
لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)
• { قيّما } أي : مستقيما { لينذر بأسا شديدا من لدنه } أي : لينذر به الذين لم يؤمنوا به عقوبة في الدنيا والآخرة { ويبشر المؤمنين } أي الذين صدّقوا إيمانهم بالعمل الصالح { ان لهم أجرا حسنا } أي مثوبة من عند الله .
• { ماكثين فيه } في ثوابهم وهو الجنة خالدين فيه { أبدا } دائما لا زوال له .
• وقوله تعالى : { وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا } المعنيّون بهذه الآية كل من قال هذا من أي أمة من الأمم من اليهود والنصارى والمشركين ،
وان كان نزولها من أجل المشركين العرب لما قالوا نحن نعبد الملائكة وهم بنات الله {مالهم به} بهذا الافتراء والأفك {من علم} فانهم لم يقولوها عن علم ولا يقين {ولا لآبائهم} أي ولا علم من آبائهم الذين قلدوهم واتبعوهم {كبرت كلمة} أي : عظمت شناعتها واشتدت عقوبتها { تخرج من افواههم} أي : ليس لها مستند سوى قولهم ، ولا دليل عليها إلا كذبهم ولهذا قال جل وعلا : {ان يقولون إلا كذبا}
وقد ذكر محمد بن اسحق سبب نزول هذه الآية الكريمة فقال - ما ملخصه - عن أبي عباس قال : [ بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى احبار يهود بالمدينة فقالوا لهم سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته فانهم أهل الكتاب ، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى اتيا المدينة فسالوا احبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره وبعض قوله : فقالوا سلوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإلاّ فرجل متقول فتروا فيه رأيكم : سلوه عن فتية : ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم ، فانهم قد كان لهم حديث عجيب ، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ، وسلوه عن الروح ما هو ؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه ، فعاد النضر وعقبة حتى قدما على قريش فأخبراهم بما قال احبار اليهود فجاءت قريش وسألت النبي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لهم صلى الله عليه وسلم : « أخبركم غدا عما سألتم عنه » ولم يستثن فانصرفوا عنه ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يأتيه جبريل بالوحي حتى ارجف أهل مكة وقالوا : وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا فيها ، لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه ، وحتى احزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكْث الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ثم جاءه جبرائيل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف وقول الله عز وجل : {ويسألونك عن الروح . . . } الآية ] .
( ٣ )
( سورة الكهف )
قال تعالى : {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)
• يسلّي الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في حزنه على المشركين لتركهم الايمان وبُعدهم عنه .
قال تعالى : {فلعلّك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} يقول لا تهلك نفسك أسفا وحزنا ، أي لا تأسف عليهم بل ابلغهم رسالة الله فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تُذهب نفسك عليهم حسرات .
• وقوله تعالى : {أنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} أي انه جعل الدنيا دارا فانية مزينة بزينة زائلة .
{لنبلوهم أيهم أحسن عملا} وانما جعلها دار اختبار لا دار قرار .
فقال تعالى : {وإنّا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا} أي : وإنّا لمصيروها بعد الزينة إلى الخراب والدمار ، لا ينبت صعيدها ولا ينتفع به .
والصّعيد الجرز أي : البلقع الذي ليس فيه شجر ولا نبات .
ألا ترى إلى قوله تعالى : {أو لم يروا أنّا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه انعامهم وانفسهم أفلا يبصرون}