بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد
أ ــ زيادة العبادة في أيام تنتشر فيها المعصية
ما حكم عمل عبادة في وقت هرج الناس ( مثل رأس السنة الميلادية ) ، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : (عبادة في الهرج كهجرة إلي ) ؟
الحمد لله
المسلم المتمسك بدينه هو الذي يذكر الله سبحانه وتعالى في السر والعلن ، وفي السراء والضراء ، لا يغيب ربه عن ذكره ولا عن قلبه ، ولا تشغله عن عبادته الشواغل ، ولا تصرفه عن حبه الصوارف ، فتراه في جميع شأنه حريصا على عبادة الله ، حريصا على شغل عمره بطاعة ربه ومولاه ، إذا خالط العابدين نافسهم وسابقهم إلى رضوان الله ، وإذا رأى الغافلين استشعر نعمة الله عليه بما حباه ، فهؤلاء هم الشهداء الغرباء القابضون على الجمر ، الذين وردت الأحاديث في فضل عملهم ، وتمسكهم بالسنة في زمان الفتنة والمحنة والغربة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) رواه مسلم (145)
فالفضل حاصل لمن يحافظ على السنة والطاعة والعبادة في أيام الفتنة والغفلة كما يحافظ عليها في أزمان الصلاح والتقوى ، فهو عامل عابد على كل حال .
هذا هو الذي جاءت الأحاديث في مدحه والثناء عليه .
أما ما قد يفهمه بعض الناس ، أن يترقب أحدهم أيام انتشار المعاصي والمنكرات ، ليبادر إلى تخصيص ذلك اليوم بصيام أو قيام ، ولا يكون ذلك من هديه وعادته في غالب أيامه وأحواله ، فليس هذا من الفهم الصحيح للحديث ، وليس مقصودا للشارع الحكيم ، وإنما المقصود الحث على التمسك الدائم بالسنة ، والقيام الكامل بأوامر الله تعالى ، ليبقى المسلم منارة في الأرض في أزمنة الظلام ، ويلقى الله تعالى وما استقال من بيعته التي بايع عليها حين أعلن استسلامه إليه عز وجل .
وهذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت أيامه وساعاته خالصة لوجه الله تعالى ، فلم يكن يدع فرصة لعبادة الله تفوته ، حتى سأله أسامة بن زيد رضي الله عنه : قال : يا رسول الله ، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ فقال : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ . رواه النسائي في "السنن" (رقم/2357) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/1898)
وهذا هو أيضا معنى الحديث الذي يرويه مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه ، أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ) رواه مسلم ( 2948 )
قال النووي رحمه الله :
" المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس ، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ، ويشتغلون عنها ، ولا يتفرغ لها إلا أفراد " انتهى. "شرح مسلم" (18/88)
فلا نرى للأخت السائلة ولا لغيرها من المسلمين تخصيص ليالي رأس السنة الميلادية بعبادة ، على وجه المقابلة للكفار الذين يملؤونها بالمعاصي ، إلا إذا كان القيام أو الصيام من عادة المسلم في باقي أيامه ، فلا بأس حينئذ من العبادة تلك الليالي ، والله سبحانه وتعالى يجزيه خيرا على عمله ونيته .
وقد سبق التحذير من تخصيص ليالي أعياد الكفار بعبادات معينة في جواب السؤال رقم : 113064
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
**********************
ــ ب - عنوان الفتوى :المقصود بالعبادة في الهرج ؟
السؤال : كنت أقرأ فتواكم الكريمة بخصوص عدم تخصيص عبادة أو حض الناس على عبادة في ليلة الكريسمس أو الميلاد؛ لأنها بدعة ولم يأت بها النبي عليه الصلاة والسلام.. فبارك الله فيكم للتنبيه.
وسؤالي.. كنت قد أرسلت العام الماضي رسائل إلى أخواتي في الله أدعوهم فيها إلى ذكر الله وقيام الليل والعبادة بأي نوع كانت، بدون تخصيص، في الوقت الذي ترتفع فيه الكؤوس ويسود المجون احتفالا بالعام الجديد. وكنت قد استندت في دعوتي إلى حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: عبادة في الهرج كهجرة إلي. فأردنا أن نأخذ هذا الأجر من هذا الحديث في ليلة يكثر فيها الهرج. فهل أنا مبتدعة؟ وهل أخطأت؟ جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تقدم في الفتوى رقم13157 ، والفتوى رقم 57818 أنه لا يجوز تخصيص أيام أعياد الكفار بنوع من أنواع العبادة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد. رواه مسلم. فالرجاء من السائلة الكريمة مراجعة الفتويين المشار إليهما لمزيد الفائدة.
والمراد بالعبادة في الهرج الالتزام بطاعة الله تعالى عند غفلة الناس عنها، قال النووي عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم: العبادة في الهرج كهجرة إلي. قال: المراد بالهرج هنا: الفتنة واختلاط أمور الناس. وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد. انتهى.
ولا ريب أن هناك فرقًا بين المراد بالعبادة في الهرج، وبين تخصيص يوم أو ليلة بأي نوع من أنواع العبادة من غير استناد إلى أصل في ذلك. نعم للأخت الكريمة جزاها الله خيرًا وشكر الله سعيها وقصدها أن تنبه أخواتها وتذكرهن بفضل العبادة عند الهرج وتحثهن على امتثال أمر الله تعالى، لكن من غير أن تعين لهن يومًا أو أيامًا أو نحو ذلك مما يمكن أن يتحول بعد مرور الزمان إلى سُنة يقال عند تركها تركت السنة.
والله أعلم.
إسلام ويب - مركز الفتوى- رقـم الفتوى : 70963.
<a href="http://www.gulfup.com/" target="_blank" title="مركز تحميل الصور"><img src="http://im17.gulfup.com/Z6nd1.gif" border="0" alt="مركز تحميل الصور" /></a>