منتدى القفطان المغربي
تفسير صورة يوسف Ezlb9t10
منتدى القفطان المغربي
تفسير صورة يوسف Ezlb9t10
منتدى القفطان المغربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى القفطان المغربي

اهلا وسهلا بكـٍ يا فى
https://caftandumaroc.forummaroc.net اخر زياره لكـ كانت فى

 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير صورة يوسف

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
روعة المنتدى
نائبة المديرة
نائبة المديرة
روعة المنتدى


sms sms :

اللهم اجعل حضوري في قلوب الناس
كـ المطر يبعث الربيع ويسقي العطشى

الجنس : انثى
العذراء
عدد المساهمات : 35966
تاريخ التسجيل : 10/06/2011
الموقع : بين من اختارهم قلبي
العمل/الترفيه : مشرفه سابقا قسم الحمل والولاده والاستشارات الطبيه
المزاج : هادئة جدا.

تفسير صورة يوسف Empty
مُساهمةموضوع: تفسير صورة يوسف   تفسير صورة يوسف Emptyالإثنين سبتمبر 19, 2011 10:49 am

[size=24]
تفسير سورة يوسف



<table class="dcitbce" align="center" border="0" cellpadding="0" width="98%"><tr><td><table style="border-collapse: collapse;" border="0" cellpadding="4" width="98%"><tr><td valign="top">" الر تلك آيات الكتاب المبين "
يخبر تعالى, أن آيات القرآن هي " آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ " أي: البين الواضحة ألفاظه, ومعانيه.
" إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون "
ومن بيانه وإيضاحه, أنه أنزله باللسان العربي, أشرف الألسنة, وأبينها. المبين, لكل ما يحتاجه الناس, من الحقائق النافعة. وكل هذا الإيضاح والتبيين " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " أي: لتعقلوا حدوده, وأصوله, وفروعه, وأوامره, ونواهيه. فإذا عقلتم ذلك بإيقانكم, واتصفت قلوبكم بمعرفتها, أثمر ذلك, عمل الجوارح, والانقياد إليه. و " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " أي: تزداد عقولكم, بتكرر المعاني الشريفة العالية, على أذهانكم. فتنتقلون من حال إلى أحوال, أعلى منها وأكمل.
" نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين "
" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ " وذلك لصدقه, وسلاسة عبارته, ورونق معانيه. " بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ " أي: بما اشتمل عليه هذا القرآن, الذي أوحيناه إليك, وفضلناك به على سائر الأنبياء, وذاك محض منة, من الله وإحسان. " وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ " أي: ما كنت تدري, ما الكتاب, ولا الإيمان, قبل أن يوحي الله إليك, ولكن جعلناه نورا, نهدي به من نشاء, من عبادنا.
" إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين "
ولما مدح ما اشتمل عليه هذا القرآن, من القصص, وأنه أحسن القصص على الإطلاق, فلا يوجد من القصص, في شيء من الكتب, مثل هذا القرآن, ذكر قصه يوسف, وأبيه, وإخوته, القصة العجيبة الحسنة. فقال: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ " إلى " إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " . واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله, أحسن القصص في هذا الكتاب. ثم ذكر هذه القصة, وبسطها, وذكر ما جرى فيها, فعلم بذلك, أنها قصة تامة, كاملة حسنة. فمن أراد أن يكملها أو يحسنها, بما يذكر في الإسرائيليات, التي لا يعرف لها سند, ولا ناقل, وأغلبها كذب, فهو مستدرك على الله, ومكمل لشيء, يزعم أنه ناقص. وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا, فإن تضاعيف هذه السورة, قد ملئت في كثير من التفاسير, من الأكاذيب, والأمور الشنيعة المناقضة, لما قصه الله تعالى بشيء كثير. فعلى العبد أن يفهم عن الله, ما قصه, ويدع, ما سوى ذلك, مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم, ينقل. فقوله تعالى: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ " يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل, عليهم الصلاة والسلام: " يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ " . فكانت هذه الرؤيا, مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام, من الارتفاع في الدينا والآخرة. وهكذا إذا أراد الله أمرا من الأصول العظام, قدم بين يديه مقدمة, توطئة له, وتسهيلا لأمره, واستعدادا لما يرد على العبد من المشاق, ولطفا بعبده, وإحسانا إليه. فأولها يعقوب, بأن الشمس: أمه, والقمر أبوه, والكواكب, إخوته. وأنه ستنتقل به الأحول إلى أن يصير إلى حال يخضعون له, ويسجدون له, إكراما وإعظاما. وأن ذلك لا يكون, إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له, واصطفائه إياه, وإتمام نعمته عليه, بالعلم والعمل, والتمكين في الأرض. وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب, الذين سجدوا له, وصاروا تبعا له فيها ولهذا قال: " وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ "
" قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين "
ولما تم تعبيرها ليوسف, قال له أبوه: " يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا " أي: حسدا من عند أنفسهم, بأن تكون أنت الرئيس الشريف عليهم. " إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ " لا يفتر عنه, ليلا ولا نهارا, ولا سرا, ولا جهارا. فالبعد عن الأسباب, التي يتسلط بها على العبد, أولى. فامتثل يوسف أمر أبيه, ولم يخبر إخوته بذلك, بل كتمها عنهم.
" وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم "
" وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ " أي: يصطفيك ويختارك بما من به عليك من الأوصاف الجليلة, والمناقب الجميلة. " وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ " أي: من تعبير الرؤيا, وبيان ما تئول إليه الأحاديث الصادقة, كالكتب السماوية ونحوها. " وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ " في الدنيا والآخرة, بأن يؤتيك في الدنيا حسنة, وفي الآخرة حسنة. " كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ " حيث أنعم الله عليهما, بنعم عظيمة واسعة, دينية, ودنيوية. " إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " أي: علمه محيط بالأشياء, وبما احتوت عليه, ضمائر العباد, من البر وغيره. فيعطي كلا, ما تقتضيه حكمته وحمده, فإنه حكيم, يضع الأشياء مواضعها, وينزلها منازلها.
" لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين "
يقول تعالى: " لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ " أي عبر وأدلة, على كثير من المطالب الحسنة. " لِلسَّائِلِينَ " أي: لكل من سأل عنها, بلسان الحال, أو بلسان المقال. فإن السائلين, هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر. وأما المعرضون, فلا ينتفعون بالآيات, ولا بالقصص, والبينات.
" إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين "
" إِذْ قَالُوا " فيما بينهم: " لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ " بنيامين, أي: شقيقه, وإلا, فكلهم إخوة. " أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ " أي: جماعة, فكيف يفضلهما بالمحبة والشفقة. " إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " أي: لفي خطأ بين, حيث فضلهما علينا, من غير موجب نراه, ولا أمر نشاهده.
" اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين "
" اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا " أي: غيبوه عن أبيه, في أرض بعيدة, لا يتمكن من رؤيته فيها. فإنكم إذا فعلتم أحد هذين الأمرين " يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ " . أي: يتقرغ لكم, ويقبل عليكم بالشفقة والمحبة, فإنه قد اشتغل قلبه بيوسف, شغلا, لا يتفرغ لكم. " وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ " أي: من بعد هذا الصنيع " قَوْمًا صَالِحِينَ " أي: تتوبون إلى الله, وتستغفرونه من بعد ذنبكم. فقدموا العزم على التوبة, قبل صدور الذنب منهم تسهيلا لفعله, وإزالة لشناعته, وتنشيطا من بعضهم لبعض.
" قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين "
أي: " قَالَ قَائِلٌ " من إخوة يوسف, الذين أرادوا قتله, أو تبعيده: " لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ " فإن قتله أعظم إثما, وأشنع. والمقصود يحصل بتبعيده عن أبيه, من غير قتل, ولكن توصلوا إلى تبعيده بأن تلقوه " فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ " وتتوعدوه, على أنه لا يخبر بشأنكم, بل على أنه عبد مملوك آبق, لأجل أن " يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ " الذين يريدون مكانا بعيدا, فيحتفظوا فيه. وهذا القائل أحسنهم رأيا في يوسف, وأبرهم, وأتقاهم في هذه القضية. فإن بعض الشر, أهون من بعض, والضرر الخفيف, يدفع به الضرر الثقيل. فلما اتفقوا على هذا الرأي " قَالُوا يَا أَبَانَا " إلى قوله " إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ " .
" قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون "
أي: قال إخوة يوسف, متوصلين إلى مقصدهم لأبيهم: " يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ " أي: لأي شيء يدخلك الخوف منا, على يوسف, من غير سبب, ولا موجب؟ والحال " وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ " أي: مشفقون عليه, نود له ما نود لأنفسنا. وهذا يدل على أن يعقوب عليه السلام, لا يترك يوسف يذهب مع إخوته للبرية ونحوها. فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة, لعدم إرساله معهم, ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه, الذي يحبه أبوه له, ما يقتضي أن يسمح لإرساله معهم, فقالوا:
" أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون "
" أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ " أي: يتنزه في البرية ويستأنس. " وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " أي سنراعيه, ونحفظه من كل أذى يريده.
" قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون "
فأجابهم بقوله: " إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ " أي مجرد ذهابكم به, يحزنني, ويشق علي, لأنني لا أقدر على فراقه, ولو مدة يسيرة. فهذا مانع من إرساله ومانع ثان, وهو: أني " وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ " أي: في حال غفلتكم عنه, لأنه صغير, لا يمتنع من الذئب.
" قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون "
" قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ " أي: جماعة, حريصون على حفظه. " إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ " أي: لا خير فينا, ولا نفع يرجى منا, إن أكله الذئب, وغلبنا عليه. فلما مهدوا لأبيهم الأسباب الداعية لإرساله, وعدم الموانع, سمح حينئذ بإرساله معهم, لأجل أنسه. " فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " أي: لما ذهب إخوة يوسف, بعد ما أذن له أبوة, وعزموا أن يجعلوه في غيابة الجب, كما قال قائلهم, السابق ذكره, وكانوا قادرين على ما أجمعوا عليه, فنفذوا فيه قدرتهم, وألقوه في الجب. ثم إن الله, لطف به, بان أوحى إليه وهو بتلك الحال الحرجة. " لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " أي: سيكون منك معاتبة لهم, وإخبار عن أمرهم هذا, وهم لا يشعرون بذلك الأمر. ففيه بشارة له, بأنه سينجو مما وقع فيه, وأن الله سيجمعه بأهله وإخوته, على وجه العز والتمكين له, في الأرض.
" وجاءوا أباهم عشاء يبكون "
" وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ " ليكون إتيانهم, متأخرا عن عادتهم, وبكاؤهم دليلا لهم, وقرينة على صدقهم.
" قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين "
فقالوا - معتذرين بعذر كاذب - " يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ " إما على الأقدام, أو بالرمي والنضال. " وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا " توفيرا له وراحة. " فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ " في حال غيابنا عنه واستباقنا. " وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ " أي: اعتذرنا بهذا العذر, والظاهر أنك لا تصدقنا, لما في قلبك من الحزن على يوسف, والرقة الشديدة عليه.
" وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون "
ولكن عدم تصديقك إيانا, لا يمنعنا أن نعتذر بالعذر الحقيقي, وكل هذا, تأكيد لعذرهم. ومما أكدوا به قولهم, أنهم " وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ " زعموا, أنه دم يوسف, حين أكله الذئب, فلم يصدقهم أبوهم بذلك. و " قَالَ " : " بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا " أي: زينت لكم أنفسكم أمرا قبيحا في التفريق بيني وبينه, لأنه رأى من القرائن والأحوال, ومن رؤيا يوسف, التي قصها عليه, ما دله على ما قال. " فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ " أي: أما أنا, فوظيفتي سأحرص على القيام بها, وهي أني أصبر على هذه المحنة, صبرا جميلا, سالما من السخط والتشكي إلى الخلق, وأستعين الله على ذلك, لا على حولي وقوتي. فوعد من نفسه هذا الأمر وشكى إلى خالقه في قوله: " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ " لأن الشكوى إلى الخالق, لا تنافي الصبر الجميل, لأن النبي, إذا وعد, وفى.
" وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون "
أي: مكث يوسف في الجب, ما مكث, حتى " وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ " أي: قافلة تريد مصر. " فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ " أي. فرطهم ومقدمهم, الذي يعس لهم المياه, ويسبرها ويستعد لهم بتهيئة الحياض ونحو ذلك. " فَأَدْلَى " ذلك الوارد " دَلْوَهُ " فتعلق فيه يوسف عليه السلام, وخرج. " قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ " أي: استبشر وقال: هذا غلام نفيس. " وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً " وكان إخوته قريبا منه, فاشتراه السيارة منهم.
" وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين "
" بِثَمَنٍ بَخْسٍ " أي قليل جدا, فسره بقوله: " دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ " . لأنه لم يكن لهم قصد, إلا تغييبه, وإبعاده عن أبيه, ولم يكن لهم قصد في أحذ ثمنه. والمعنى في هذا: أن السيارة, لما وجدوه, عزموا أن يسروا أمره, ويجعلوه من جملة بضائعهم, التي معهم, حتى جاء إخوته, فزعموا أنه عبد أبق منهم. فاشتروه منهم, بذلك الثمن, واستوثقوا منهم فيه, لئلا يهرب, والله أعلم.
" وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون "
أي لما ذهب به السيارة إلى مصر, وباعوه بها, فاشتراه عزيز مصر. فلما اشتراه, أعجب به, ووصى عليه امرأته وقال: " أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا " أي: إما أن ينفعنا كنفع العبيد, بأنواع الخدم. وإما أن نستمتع فيه, استمتاعنا بأولادنا, ولعل ذات أنه لم يكن لهما, ولد. " وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ " أي: كما يسرنا له أن يشتريه عزيز مصر, ويكرمه هذا الإكرام, جعلنا هذا, مقدمة لتمكينه في الأرض, من هذا الطريق. " وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ " إذا بقي لا شغل له ولا هم سوى العلم صار ذلك من أسباب تعلمه علما كثيرا, من علم الأحكام, وعلم التعبير, وغير ذلك. " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ " أي: أمره تعالى نافذ, لا يبطله مبطل, ولا يغلبه مغالب. " وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " . فلذلك يجري منهم, ويصدر, في مغالبة أحكام الله القدرية, وهم أعجز, وأضعف من ذلك.
" ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين "
أي: " وَلَمَّا بَلَغَ " يوسف " أَشُدَّهُ " أي: كمال قوته المعنوية والحسية, وصلح لأن يتحمل الأحمال الثقيلة, من النبوة, والرسالة. " آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا " أي: جعلناه نبيا رسولا, وعالما ربانيا. " وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " في عبادة الخالق, ببذل الجهد والنصح فيها, وإلى عباد الله, ببذل النفع والإحسان إليهم, نؤتيهم من جملة الجزاء على إحسانهم, علما نافعا. ودل هذا, على أن يوسف في مقام الإحسان, فأعطاه الله الحكم بين الناس, والعلم الكثير والنبوة.
" وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون "
هذه المحنة العظيمة, أعظم على يوسف, من محنة إخوته, وصبره عليها, أعظم أجرا, لأنه صبر اختيار, مع وجود الدواعي الكثيرة, لوقوع الفعل, فقدم محبة الله عليها. وأما محنته بإخوته, فصبره صبر اضطرار, بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها, طائعا أو كارها. وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام, بقي مكرما في بيت العزيز. وكان له من الجمال, والكمال, والبهاء, ما أوجب ذلك, أن " وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ " أي: هو غلامها, وتدبيرها, والمسكن واحد, يتيسر فيه إيقاع الأمر المكروه, من غير شعور أحد, ولا إحساس بشر. وزادت المصيبة, بأن " وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ " وصار المحل خاليا, وهما آمنان من دخول أحد عليهما, بسبب تغليق الأبواب. وقد دعته إلى نفسها " وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ " أي: افعل الأمر المكروه وأقبل إلي. ومع هذا, فهو غريب, لا يحتشم مثله, ما يحتشمه إذا كان في وطنه, وبين معارفه. وهو أسير تحت يدها, وهي سيدته, وفيها من الجمال, ما يدعو إلى ما هنالك. وهو شاب عزب, وقد توعدته, إن لم يفعل ما تأمرة به, بالسجن, أو العذاب الأليم. فصبر عن معصية الله, مع وجود الداعي القوي فيه, لأنه قد هم فيها, هما, تركه لله, وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء. ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان, الموجب, لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف, عن هذه المعصية الكبيرة. " قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ " أي. أعوذ بالله, أن أفعل هذا الفعل القبيح, لأنه مما يسخط الله, ويبعد عنه, ولأنه خيانة في حق سيدي, الذي أكرم مثواي. فلا يليق بي, أن أقابله في أهله, بأقبح مقابلة, وهذا من أعظم الظلم والظالم لا يفلح. والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل, تقوى الله, ومراعاة حق سيده, الذي أكرمه, وصيانة نفسه عن الظلم, الذي لا يفلح من تعاطاه. وكذلك ما من الله عليه, من برهان الإيمان, الذي في قلبه, يقتضي منه, امتثال الأوامر, واجتناب الزواجر. والجامع لذلك كله. أن الله صرف عنه السوء والفحشاء, لأنه من عباده المخلصين له, في عباداتهم, الذين أخلصهم الله, واختارهم, واختصهم لنفسه, وأسدى عليهم من النعم, وصرف عنهم المكاره, ما كانوا به من خيار خلقه.
" واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم "
ولما امتنع من إجابة طلبها, بعد المراودة الشديدة, وذهب ليهرب عنها, ويبادر إلى الخروج من الباب, ليتخلص, ويهرب من الفتنة. فبادرت إليه, وتعلقت بثوبه, فشقت قميصه. فلما وصلا إلى الباب, في تلك الحال, ألفيا سيدها, أي. زوجها لدى الباب, فرأي أمرا شق عليه. فبادرت إلى الكذب, وادعت أن المراودة, قد كانت من يوسف, وقالت: " مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا " ولم تقل " من فعل بأهلك سوءا " تبرئة لها, وتبرئة له أيضا, من الفعل. وإنما النزاع عن الإرادة, والمراوده. " إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي: أو يعذب عذابا أليما.
" قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين "
فبرأ نفسه, مما رمته به, وقال: " هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي " فحينئذ احتملت الحال, صدق كل واحد منهما, ولك يعلم أيهما. ولكن الله تعالى, جعل للحق والصدق, علامات, وأمارات تدل عليه, قد يعلمها العباد, وقد لا يعلمونها. فمن الله في هذه القضية, بمعرفة الصادق منهما, تبرئة لنبيه وصفيه, يوسف عليه السلام. فبعث شاهدا من أهل بيتها, يشهد بقرينة من وجدت معه, فهو الصادق, فقال: " إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ " لأن ذلك يدل على أنه هو المقبل عليها, المراود لها, المعالج, وأنها أرادت أن تدفعه عنها, فشقت قميصه من هذا الجانب.
" وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين "
" وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ " . لأن ذلك, يدل على هروبه منها, وأنها هي التي طلبته, فشقت قميصه من هذا الجانب.
" فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم "
" فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ " عرف بذلك صدق يوسف وبراءته, وأنها هي الكاذبة. فقال لها سيدها: " إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ " وهل أعظم من هذا الكيد, الذي برأت به نفسها, لما أرادت وفعلت, ورمت به نبي الله, يوسف عليه السلام.
" يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين "
ثم إن سيدها لما تحقق الأمر, قال ليوسف: " يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا " . أي: اترك الكلام فيه, وتناسه, ولا تذكره لأحد, طلبا للستر على أهله. " وَاسْتَغْفِرِي " أيتها المرأة " لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ " فأمر يوسف بالإعراض, وأمرها بالاستغفار والتوبة.
" وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين "
يعني: أن الخبر اشتهر وشاع في البلد, وتحدث به النسوة, فجعلن يلمنها, ويقلن: " امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا " أي: هذا أمر مستقبح, هي امرأة كبيرة القدر, وزوجها كبير القدر, ومع هذا, لم تزل تراود فتاها, الذي تحت يدها, وفي خدمتها - عن نفسه. ومع هذا فإن حبه, قد بلغ من قلبها, مبلغا عظيما. " قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا " , أي: وصل حبه إلى شغاف قلبها, وهو: باطنه وسويداؤه. وهذا أعظم ما يكون من الحب. " إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " حيث وجدت منها هذه الحالة, التي لا ينبغي منها, وهي حالة تحط قدرها, وتضعه عند الناس. وكان هذا القول منهن مكرا, ليس المقصود به, مجرد اللوم لها, والقدح فيها. وإنما أردن أن يتوصلن بهذا الكلام, إلى رؤية يوسف, الذي فتنت به امرأة العزيز, لتحنق امرأة العزيز, وتريهن إياه, ليعذرنها ولهذا سماه: مكرا, فقال:
" فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم "
" فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ " تدعوهن إلى منزلها للضيافة. " وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً " أي: محلا مهيأ بأنواع الفرش والوسائد, وما يقصد بذلك من المآكل اللذيذة, وكان في جملة ما أتت به وأحضرته, في تلك الضيافة, طعام يحتاج إلى سكين, إما أترج, أو غيره. " وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا " ليقطعن بها ذلك الطعام " وَقَالَتِ " ليوسف: " اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ " في حالة جماله وبهائه. " فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ " أي: أعظمنه في صدورهن, ورأين منظرا فائقا, لم يشاهدن مثله. " وَقَطَّعْنَ " من الدهش " أَيْدِيَهُنَّ " بتلك السكاكين, اللاتي معهن. " وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ " أي تنزيها لله " مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ " . وذلك أن يوسف, أعطي من الجمال الفائق, والنور, والبهاء, ما كان به آية للناظرين, وعبرة للمتأملين.
" قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين "
فلما تقرر عندهن جمال يوسف الظاهر, وأعجبهن غاية العجب, وظهر منهن من العذر لامرأة العزيز, شيء كثير - أرادت أن تريهن جماله الباطن, بالعفة التامة - فقالت - معلنة لذلك, ومبينة لحبه الشديد, غير مبالية, ولأن اللوم انقطع عنها من النسوة: " فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ " أي: امتنع وهي مقيمة على مراودته, لم تزدها مرور الأوقات, إلا قلقا ومحبة وشوقا لوصاله وتوقا. ولهذا قالت له بحضرتهن: " وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ " . لتلجئه بهذا الوعيد, إلى حصول مقصودها منه.
" قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين "
فعند ذلك, اعتصم يوسف بربه, واستعان به على كيدهن و " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ " وهذا يدل, أن النسوة, جعلن يشرن على يوسف في مطاوعة سيدته, وجعلن يكدنه في ذلك. فاستحب السجن والعذاب الدنيوي, على لذة حاضرة, توجب العذاب الشديد. " وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ " أي: أمل إليهن, فإني ضعيف عاجز. إن لم تدفع عني السوء, صبوت إليهن " وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ " فإن هذا جهل. لأنه آثر لذة قليلة منغصة, على لذات متتابعات, وشهوات متنوعات, في جنات النعيم. ومن آثر هذا, على هذا, فمن أجهل منه؟!! فإن العلم والعقل, يدعو إلى تقديم أعظم المصلحتين, وأعظم اللذتين, ويؤثر, ما كان محمود العاقبة.
" فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم "
" فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ " حين دعاه " فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ " فلم تزل تراوده وتستعين عليه, بما تقدر عليه من الوسائل, حتى آيسها, وصرف الله عنه كيدها. " إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ " لدعاء الداعي " الْعَلِيمُ " بنيته الصالحة, وبنيته الضعيفة المقتضية لإمداده بمعونته ولطفه. فهذا ما نجى الله به يوسف من هذه الفتنة الملمة, والمحنة الشديدة. وأما أسياده, فإنه لما اشتهر الخبر وبان, وصار الناس فيها, بين عاذر, ولائم, وقادح.
" ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين "
" بَدَا لَهُمْ " أي: ظهر لهم " مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ " الدالة على براءته. " لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ " أي: لينقطع بذلك, الخبر, ويتناساه الناس. فإن الشيء إذا شاع, لم يزل يذكر, ويشيع, مع وجود أسبابه, فإذا عدمت أسبابه نسي. فرأوا أن هذا مصلحة لهم, فأدخلوه في السجن.
" ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين "
أي ولما دخل يوسف السجن, كان من جملة من " وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ " أي: شابان, فرأى كل واحد منهما رؤيا, فقصها على يوسف ليعبرها. " قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا " وذلك الخبز " تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ " . " نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ " أي: بتفسيره, وما يئول إليه أمره. وقولهما: " إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ " أي: من أهل الإحسان إلى الخلق فأحسن إلينا في تعبيرك لرؤيانا, كما أحسنت إلى غيرنا, فتوسلا ليوسف بإحسانه.
" قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون "
" قَالَ " لهما مجيبا لطلبهما: " لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا " أي: فلتطمئن قلوبكما, فإني سأبادر إلى تعبير رؤياكما, فلا يأتيكما غداؤكما, أو عشاؤكما, أول ما يجيء إليكما, إلا نبأتكما بتأويله, قبل أن يأتيكما. ولعل يوسف, عليه الصلاة والسلام, قصد أن يدعوهما إلى الإيمان في هذه الحال, التي بدت حاجتهما إليه, ليكون أنجع لدعوته, وأقبل لهما. ثم قال: " ذَلِكُمَا " التعبير الذي سأعبره لكما " مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي " . أي: هذا من علم الله علمنيه, وأحسن إلي به, وذلك " إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ " . والترك, كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه, يكون لمن لم يدخل فيه أصلا. فلا يقال: إن يوسف, كان من قبل, على غير ملة إبراهيم.
" واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون "
" وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ " ثم فسر تلك الملة بقوله: " مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ " بل نفرد الله بالتوحيد, ونخلص له الدين والعبادة. " ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ " أي: هذا من أفضل منته وإحسانه وفضله علينا, وعلى من هداه الله كما هدانا, فإنه لا أفضل من منة الله على العباد بالإسلام, والدين القويم. فمن قبله وانقاد له, فهو حظه, وقد حصل له أكبر النعم وأجل الفضائل. " وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ " فلذلك تأتيهم المنة والإحسان, فلا يقبلونها, ولا يقومون لله بحق. وفي هذا, من الترغيب للطريق, التي هو عليها, ما لا يخفى. فإن الفتيين - لما تقرر عنده, أنهما رأياه بعين التعظيم والإجلال, وأنه محسن معلم - ذكر لهما أن هذه الحالة, التي أنا عليها, كلها من فضل الله وإحسانه, حيث من علي بترك الشرك, وباتباع ملة آبائي, فبهذا وصلت إلى ما رأيتما, فينبغي لكما أن تسلكا ما سلكت.
" يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار "
ثم صرح لهما بالدعوة فقال: " يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " أي: أرباب عاجزة ضعيفة, لا تنفع ولا تضر, ولا تعطي ولا تمنع, وهي متفرقة, ما بين أشجار, وأحجار, وملائكة, وأموات, وغير ذلك من أنواع المعبودات, التي يتخذها المشركون. أذلك " خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ " الذي له صفات الكمال, " الْوَاحِدُ " في ذاته, وصفاته, وأفعاله فلا شريك له في شيء من ذلك. " الْقَهَّارُ " الذي انقادت الأشياء لقهره وسلطانه, فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن " ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها " . ومن المعلوم, أن هذا شأنه ووصفه, خير من الآلهة المتفرقة, التي هي مجرد أسماء, لا كمال لها, ولا فعال لديها.
" ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون "
ولهذا قال: " مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ " أي: كسوتموها أسماء, سميتموها آلهة, وهي لا شيء, ولا فيها من صفات الألوهية شيء. " مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ " بل أنزل الله السلطان بالنهي عن عبادتها وبيان بطلانها. وإذا لم ينزل الله بها سلطانا, لم يكن طريق, ولا وسيلة, ولا دليل لها. " إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ " وحده, فهو الذي يأمر وينهى, ويشرع الشرائع, ويسن الأحكام. وهو الذي " أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ " أي: المستقيم الموصل إلى كل خير, وما سواه من الأديان, فإنها غير مستقيمة, بل معوجة, توصل إلى كل شر. " وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " حقائق الأشياء. وإلا فإن الفرق بين عبادة الله, وحده لا شريك له, وبين الشرك به, من أظهر الأشياء وأبينها. ولكن لعدم العلم من أكثر الناس بذلك, حصل منهم ما حصل, من الشرك. فيوسف عليه السلام, دعا صاحبي السجن لعبادة الله وحده, وإخلاص الدين له. فيحتمل أنهما استجابا وانقادا, فتمت عليهما النعمة. ويحتمل أنهما, لم يزالا على شركهما, فقامت عليهما - بذلك - الحجة.
" يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان "
ثم إنه, عليه السلام, شرع يعبر رؤياهما, بعد ما وعدهما ذلك. فقال: " يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ " إلى " الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ " . " يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا " وهو: الذي رأى أنه يعصر خمرا, فإنه يخرج من السجن " فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا " أي: يسقى سيده, الذي كان يخدمه خمرا, وذلك مستلزم لخروجه من السجن " وَأَمَّا الْآخَرُ " وهو: الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا, تأكل الطير منه. " فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ " , فإنه عبر عن الخبز, الذي تأكله الطير, بلحم رأسه وشحمه, وما فيه من المخ, وأنه لا يقبر ويستر عن الطيور, بل يصلب, ويجعل في محل, تتمكن الطيور من أكله. ثم أخبرهما بأن هذا التأويل, الذي تأوله لهما, أنه لا بد من وقوعه فقال: " قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ " أي: تسألان عن تعبيره وتفسيره.
" وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين "
أي: " وَقَالَ " يوسف عليه السلام " لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا " , وهو: الذي رأى أنه يعصر خمرا: " اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ " أي: اذكر له شأني وقصتي, لعله يرق لي, فيخرجني مما أنا فيه. " فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ " أي: فأنسى الشيطان ذلك الناجي, ذكر الله تعالى, وذكر ما يقرب إليه, ومن جملة ذلك نسيانه, ذكر يوسف, الذي يستحق أن يجازى بأتم الإحسان, وذلك ليتم الله أمره وقضاءه. " فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ " والبضع: من الثلاث إلى التسع, ولهذا قيل: إنه لبث سبع سنين. ولما أراد الله أن يتم أمره, ويأذن لإخراج يوسف من السجن, قدر لذلك سببا لإخراج يوسف, وارتفاع شأنه, وإعلاء قدره, وهو رؤيا الملك.
" وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون "
لما أراد الله تعالى أن يخرج يوسف من السجن, أرى الله الملك هذه الرؤيا العجيبة, التي تأويلها, يتناول جميع الأمة, ليكون تأويلها على يد يوسف, فيظهر من فضله, ويبين من علمه, ما يكون له رفعة في الدارين. ومن التقادير المناسبة, أن الملك الذي ترجع إليه أمور الرعية هو الذي رآها, لارتباط مصالحها به. وذلك أنه رأى رؤيا, هالته, فجمع علماء قومه, وذوي الرأي منهم وقال: " إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ " أي: سبع من البقرات " عِجَافٌ " . وهذا من العجب, أن السبع العجاف الهزبلات, اللاتي سقطت قوتهن, يأكلن السبع السمان, التي كن نهاية في القوة. ورأيت " وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ " أي: يأكلهن سبع سنبلات أخر " يَابِسَاتٍ " . " يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ " لأن تعبير الجميع واحد, وتأويلهن شيء واحد. " إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ " فتحيروا, ولم يعرفوا لها وجها.
" قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين "
" قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ " أي أحلام لا حاصل لها, ولا لها تأويل. وهذا جزم منهم, بما لا يعلمون, وتعذر منهم, بما ليس بعذر. ثم قالوا: " وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ " أي: لا نعبر إلا الرؤيا. وأما الأحلام, التي هي من الشيطان, أو من حديث النفس, فإنا لا نعبرها. فجمعوا بين الجهل والجزم, بأنها أضغات أحلام, والإعجاب بالنفس, بحيث إنهم لم يقولوا: لا نعلم تأويلها, وهذا من الأمور, التي لا تنبغي لأهل الدين والحجا. وهذا أيضا, من لطف الله, بيوسف عليه السلام. فإنه لو عبرها ابتداء - قبل أن يعرضها على الملأ من قومه وعلمائهم, فيعجزوا عنها - لم يكن لها ذلك الموقع. ولكن لما عرضها عليهم, فعجزوا عن الجواب, وكان الملك مهتما لها, غاية الاهتمام, فعبرها يوسف - وقعت عندهم موقعا عظيما. وهذا نظير إظهار الله فضل آدم على الملائكة, بالعلم, بعد أن سألهم, فلم يعلموا. ثم سأل آدم, فعلمهم أسماء كل شيء, فحصل بذلك, زيادة فضله. وكما يظهر فضل, أفضل خلقه, محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة, أن يلهم الله الخلق, أن يتشفعوا بآدم, ثم بنوح, ثم إبراهيم, ثم موسى, ثم عيسى عليهم السلام, فيعتذرون عنها. ثم يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول " أنا لها أنا لها " , فيشفع في جميع الخلق, وينال ذلك المقام المحمود, الذي يغبطه به, الأولون والآخرون. فسبحان من خفيت ألطافه, ودقت في إيصاله البر والإحسان, إلى خواص أصفيائه, وأوليائه.
" وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلوني "
" وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا " أي: من الفتيين, وهو: الذي رأى أنه يعصر خمرا, وهو الذي أوصاه يوسف, أن يذكره عند ربه " وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ " أي: وتذكر يوسف, وما جرى له في تعبيره لرؤياهما, وما وصاه به, وعلم أنه كفيل بتعبير هذه الرؤيا بعد مدة, من السنين فقال: " أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي " إلى يوسف لأسأله عنها.
" يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون "
فأرسلوه, فجاء إليه, ولم يعنفه يوسف على نسيانه, بل استمع ما يسأله عنه, وأجابه عن ذلك فقال: " يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ " أي: كثير الصدق في أقواله وأفعاله. " أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ " فإنهم متشوقون لتعبيرها, وقد أهمتهم.
" قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون "
فعبر يوسف, السبع البقرات السمان, والسبع السنبلات الخضر, بأنهن سبع سنين مخصبات, والسبع البقرات العجاف, والسبع السنبلات اليابسات, بأنهن سنين مجدبات. ولعل وجه ذلك - والله أعلم - أن الخصب والجدب - لما كان الحرث مبنيا عليه, وأنه إذا حصل الخصب, قويت الزروع والحروث, وحسن منظرها, وكثرت غلالها, والجدب بالعكس من ذلك. وكانت البقر, هي التي تحرث عليها الأرض, وتسقى عليها الحروث في الغالب. والسنبلات, هي أعظم الأقوات وأفضلها, عبرها بذلك, وجود المناسبة. فجمع لهم في تأويلها, بين التعبير, والإشارة لما يفعلونه, ويستعدون به, من التدابير في سني الخصب, إلى سني الجدب فقال: " تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا " أي: متتابعات. " فَمَا حَصَدْتُمْ " من تلك الزروع " فَذَرُوهُ " أي: اتركوه " فِي سُنْبُلِهِ " لأنه أبقى له وأبعد من الالتفات إليه " إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ " أي: دبروا أكلكم في هذه السنين الخصبة, وليكن قليلا, ليكثر ما تدخرون ويعظم نفعه ووقعه.
" ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون "
" ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ " أي: بعد تلك السنين السبع الخصبات. " سَبْعٌ شِدَادٌ " أي: مجدبات " يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ " أي: يأكلن جميع ما ادخرتموه, ولو كان كثيرا. " إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ " أي: تمنعونه من التقديم لهن.
" ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون "
" ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ " أي: السبع الشداد " عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ " أي: فيه تكثر الأمطار والسيول, وتكثر الغلات, وتزيد على أقواتهم, حتى إنهم يعصرون العنب ونحوه, زيادة على أكلهم. ولعل استدلاله على وجود هذا العام الخصب, مع أنه غير مصرح به في رؤيا الملك. لأنه فهم من التعبير, بالسبع الشداد, أن العام الذي يليها, تزول به شدتها. ومن المعلوم, أنه لا يزول الجدب المستمر سبع سنين متواليات, إلا بعام مخصب جدا, وإلا لما كان للتقدير فائدة. فلما رجع الرسول إلى الملك والناس, وأخبرهم بتأويل يوسف للرؤيا, عجبوا من ذلك, وفرحوا بها أشد الفرح.
" وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم "
يقول تعالى: " وَقَالَ الْمَلِكُ " لمن عنده " ائْتُونِي بِهِ " أي: بيوسف عليه السلام, بأن يخرجوه من السجن, ويحضروه إليه. " فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ " وأمره بالحضور عند الملك, امتنع عن المبادرة إلى الخروج, حتى تتبين براءته التامة, وهذا من صبره, وعقله ورأيه التام. وحينئذ " قَالَ " للرسول: " ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ " يعني به الملك. " فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ " أي: اسأله, ما شأنهن وقصتهن, فإن أمرهن ظاهر متضح " إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ " .
" قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين "
فأحضرهن الملك, وقال: " مَا خَطْبُكُنَّ " أي: شأنكن " إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ " فهل رأيتن منه ما يريب؟. فبرأنه و " قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ " أي: لا قليل ولا كثير. فحينئذ زال السبب, الذي تبني عليه التهمة, ولم يبق إلا ما عند امرأة العزيز. " قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ " أي: تمحص وتبين, بعد ما كنا ندخل عليه من السوء والتهمة, ما أوجب له السجن. " أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ " في أقواله وبراءته.
" ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين "
" ذَلِكَ " الإقرار, الذي أقررت, أني راودت يوسف " لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ " . يحتمل أن مرادها بذلك, زوجها أي: ليعلم أني حين أقررت, أني راودت يوسف, أني لم أخنه بالغيب, أي: لم يجر مني إلا مجرد المراودة, ولم أفسد عليه ف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
روعة المنتدى
نائبة المديرة
نائبة المديرة
روعة المنتدى


sms sms :

اللهم اجعل حضوري في قلوب الناس
كـ المطر يبعث الربيع ويسقي العطشى

الجنس : انثى
العذراء
عدد المساهمات : 35966
تاريخ التسجيل : 10/06/2011
الموقع : بين من اختارهم قلبي
العمل/الترفيه : مشرفه سابقا قسم الحمل والولاده والاستشارات الطبيه
المزاج : هادئة جدا.

تفسير صورة يوسف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير صورة يوسف   تفسير صورة يوسف Emptyالإثنين سبتمبر 19, 2011 10:50 am

" فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون "

" فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ " أي: كال لكل واحد من إخوته, ومن
جملتهم أخوه هذا. " جَعَلَ السِّقَايَةَ " وهو: الإناء الذي يشرب به,
ويكال فيه " فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ " أوعوا متاعهم. فلما انطلقوا
ذاهبين, " أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ "
. ولعل هذا المؤذن, لم يعلم بحقيقة الحال.
" قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون "

" قَالُوا " أي: إخوة يوسف " وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ " لإبعاد التهمة.
فإن السارق, ليس له هم إلا البعد والانطلاق عمن سرق منه, لتسلم له سرقته.
وهؤلاء, جاءوا مقبلين إليهم, ليس لهم هم إلا إزالة التهمة, التي رموا بها
عنهم. فقالوا في هذه الحال: " مَاذَا تَفْقِدُونَ " ولم يقولوا " ما الذي
سرقنا " لجزمهم بأنهم براء من السرقة.
" قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم "

" قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ
بَعِيرٍ " أي: أجرة له, على وجدانه " وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ " أي: كفيل,
وهذا يقوله المتفقد
" قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين "

" قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي
الْأَرْضِ " بجميع أنواع المعاصي. " وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ " فإن
السرقة, من أكبر أنواع الفساد في الأرض. وإنما أقسموا على علمهم, أنهم
ليسوا مفسدين ولا سارقين, لأنهم عرفوا أنهم سبروا من أحوالهم ما يدلهم على
عفتهم وورعهم, وأن هذا الأمر لا يقع منهم بعلم من اتهموهم, وهذا أبلغ في
نفي التهمة, من أن لو قالوا: " تالله لم نفسد في الأرض ولم نسرق " .
" قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين "
" قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ " أي: جزاء هذا الفعل " إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ " بأن كان معكم؟
" قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين "

" قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ " أي الموجود في
رحله " جَزَاؤُهُ " بأن يتملكه صاحب السرقة. وكان هذا في دينهم أن السارق
إذا ثبتت عليه السرقة, كان ملكا لصاحب لمال المسروق, ولهذا قالوا: "
كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ " .

" فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف
ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء
وفوق كل ذي علم عليم "

" فَبَدَأَ " المفتش " بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ " وذلك
لتزول الريبة التي يظن أنها فعلت بالقصد. " ثُمَّ " لما لم يجد في أوعيتهم
شيئا " اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ " ولم يقل " وجدها, أو سرقها
أخوه " مراعاة للحقيقة الواقعة. فحينئذ تم ليوسف ما أراد من بقاء أخيه
عنده, على وجه لا يشعر به إخوته. قال تعالى: " كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ
" أي: يسرنا له هذا الكيد, الذي توصل به إلى أمر غير مذموم " مَا كَانَ
لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ " لأنه ليس من دينه أن يتملك
السارق, وإنما له عندهم, جزاء آخر. فلو ردت الحكومة إلى دين الملك, لم
يتمكن يوسف من إبقاء أخيه عنده. ولكنه جعل الحكم منهم, ليتم له ما أراد.
قال تعالى " نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ " بالعلم النافع, ومعرفة
الطرق الموصلة إلى مقصدها, كما رفعنا درجات يوسف. " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي
عِلْمٍ عَلِيمٌ " فكل عالم, فوقه من هو أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى عالم
الغيب والشهادة.
" قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون "

فلما رأى إخوة يوسف ما رأوا " قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ " هذا الأخ, فليس
هذا غريبا عنه. " فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ " يعنون: يوسف عليه
السلام. ومقصودهم تبرئة أنفسهم وأن هذا وأخاه, وقد يصدر منهم ما يصدر من
السرقة, وهما ليسا شقيقين لنا. وفي هذا من الغض عليهما, ما فيه, ولهذا:
أسرها يوسف في نفسه " وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ " أي لم يقابلهم على ما
قالوه بما يكرهون, بل كظم الغيظ, وأسر الأمر في نفسه. و " قَالَ " في نفسه
" أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا " حيث ذممتمونا بما أنتم على أشر منه. "
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ " منا, من وصفنا بالسرقة, يعلم الله
أنا براء منها. ثم سلكوا معه, مسلك التملق, لعله يسمح لهم بأخيهم.
" قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين "

" قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا "
أي: وإنه لا يصبر عنه, وسيشق عليه فراقه. " فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ
إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ " فأحسن إلينا وإلى أبينا بذلك.
" قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون "

" قَالَ " يوسف " مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا
مَتَاعَنَا عِنْدَهُ " أي: هذا ظلم منا, لو أخذنا البريء, بذنب من وجدنا
متاعنا عنده, ولم يقل " من سرق " كل هذا تحرز من الكذب. " إِنَّا إِذًا "
أي: إن أخذنا غير من وجد في رحله " لَظَالِمُونَ " حيث وضعنا العقوبة في
غير موضعها.
"
فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ
عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي
أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين "

أي: فلما استيأس إخوة يوسف من يوسف أن يسمح لهم بأخيهم " خَلَصُوا
نَجِيًّا " أي: اجتمعوا وحدهم, ليس معهم غيرهم, وجعلوا يتناجون فيما
بينهم. " قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ
عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ " في حفظه, وأنكم تأتون به إلا أن
يحاط بكم " وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ " . فاجتمع عليكم
الأمران, تفريطكم السابق في يوسف, وعدم إتيانكم بأخيه باللاحق, فليس لي
وجه أواجه به أبي. " فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ " أي: سأقيم في هذه الأرض,
ولا أزال بها " حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي "
أي: يقدر لي المجيء, أو مع أخي " وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ " .
" ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين "

ثم وصاهم بما يقولون لأبيهم فقال: " ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا
يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ " أي: وأخذ بسرقته, ولم يحصل لنا أن
نأتيك به, مع ما بذلنا من الجهد في ذلك. والحال, أنا ما شهدنا بشيء لم
نعلمه, وإنما شهدنا بما علمنا, لأننا رأينا الصواع, استخرج من رحله. "
وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ " أي: لو كنا نعلم الغيب, لما حرصنا,
وبذلنا المجهود في ذهابه معنا, ولما أعطيناك عهودنا ومواثيقنا, فلم نظن أن
الأمر سيبلغ ما بلغ.
" واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون "

" وَاسْأَلِ " إن شككت في قولنا " الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا
وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا " فقد اطلعوا على ما أخبرناك به "
وَإِنَّا لَصَادِقُونَ " لم نكذب, ولم نغير, ولم نبدل, بل هذا الواقع.
" قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم "

فلما رجعوا إلى أبيهم, وأخبروه بهذا الخبر, اشتد حزنه, وتضاعف كمده,
واتهمهم أيضا في هذه القضية, كما اتهمهم في الأولى. و " قَالَ بَلْ
سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ " أي: ألجأ في
ذلك, إلى الصبر الجميل, الذي لا يصحبه تسخط, ولا جزع, ولا شكوى للخلق. ثم
لجأ إلى حصول الفرج, لما رأى أن الأمر اشتد, والكربة انتهت فقال: " عَسَى
اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا " أي: يوسف و " بنيامين " ,
وأخوهم الكبير, الذي أقام في مصر. " إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ " الذي يعلم
حالي, واحتياجي إلى تفريجه ومنته, واضطراري إلى إحسانه. " الْحَكِيمُ "
الذي جعل لكل شيء قدرا, ولكل أمر منتهى, بحسب ما اقتضته حكمته الربانية.
" وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم "

أي: وتولى يعقوب عليه الصلاة والسلام عن أولاده, بعد ما أخبروه هذا
الخبر, واشتد به الأسف والأسى, وابيضت عيناه من الحزن, الذي في قلبه,
والكمد الذي أوجب له كثرة البكاء, حيث ابيضت عيناه من ذلك. " فَهُوَ
كَظِيمٌ " أي: ممتلئ القلب من الحزن الشديد. " وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى
يُوسُفَ " أي: ظهر منه ما كمن من الهم القديم, والشوق المقيم, وذكرته هذه
المصيبة الخفيفة, بالنسبة للأولى, المصيبة الأولى,
" قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين "

فقال له أولاده - متعجبين من حاله -: " تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ
يُوسُفَ " أي: لا تزال تذكر يوسف في جميع أحوالك. " حَتَّى تَكُونَ
حَرَضًا " أي: فانيا لا حراك فيك, ولا قدرة على الكلام. " أَوْ تَكُونَ
مِنَ الْهَالِكِينَ " أي: لا تترك ذكره مع قدرتك على ذكره أبدا.
" قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون "

" قَالَ " يعقوب " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي " أي: ما أبت من الكلام "
وَحُزْنِي " الذي في قلبي " إِلَى اللَّهِ " وحده لا إليكم ولا إلى غيركم
من الخلق فقولوا ما شئتم " وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ "
من أنه سيردهم علي ويقر عيني بالاجتماع بهم.
" يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون "

أي: قال يعقوب عليه السلام لبنيه " يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا
مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ " . أي: احرصوا واجتهدوا على التفتيش عنهما "
وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ " . فإن الرجاء, يوجب للعبد, السعي
والاجتهاد, فيما رجاه, والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ. وأولى ما رجا
العباد, فضل الله وإحسانه, ورحمته, وروحه. " إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ
رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " . فإنهم - لكفرهم -
يستبعدون رحمته, ورحمته بعيدة منهم, فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على
أنه بحسب إيمان العبد, يكون رجاؤه رحمة الله وروحه.

" فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة
مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين "

فذهبوا " فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ " أي: على يوسف " قَالُوا " متضرعين
إليه: " يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ
وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ
عَلَيْنَا " أي: قد اضطررنا نحن وأهلنا " وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ
" أي: مدفوعة مرغوب عنها, لقلتها, وعدم وقوعها الموقع. " فَأَوْفِ لَنَا
الْكَيْلَ " أي: مع عدم وفاء العرض, وتصدق علينا بالزيادة عن الواجب. "
إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ " بثواب الدنيا والآخرة.
" قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون "

فلما انتهى الأمر, وبلغ أشده, رق لهم يوسف رقة شديدة, وعرفهم بنفسه,
وعاتبهم فقال: " هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ "
أما يوسف فظاهر فعلهم فيه. وأما أخوه, فلعله - والله أعلم - قولهم: " إِنْ
يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ " . أو أن الحادث الذي فرق
بينه وبين أبيه, هم السبب فيه, والأصل الموجب له. " إِذْ أَنْتُمْ
جَاهِلُونَ " وهذا نوع اعتذار لهم بجهلهم, أو توبيخ لهم إذ فعلوا فعل
الجاهلين, مع أنه لا ينبغي, ولا يليق منهم.
" قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين "

فعرفوا أن الذي خاطبهم, هو يوسف فقالوا: " أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ
قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا "
بالإيمان والتقوى, والتمكين في الدنيا, وذلك بسبب الصبر والتقوى. " إِنَّهُ
مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ " أي: يتقي فعل ما حرم الله, ويصبر على الآلام
والمصائب, وعلى الأوامر, بامتثالها " فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ " فإن هذا, من الإحسان, والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
" قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين "

" قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا " أي: فضلك علينا,
بمكارم الأخلاق, ومحاسن الشيم, وأسأنا إليك غاية الإساءة, وحرصنا على
إيصال الأذى إليك, والتبعيد لك عن أبيك, فآثرك الله تعالى, ومكنك مما تريده
" وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ " .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
moon_light3
نائبة المديرة
نائبة المديرة
moon_light3


sms sms : رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ


الجنس : انثى
الاسد
عدد المساهمات : 31908
تاريخ التسجيل : 10/06/2011
الموقع : القفطان المغربي
العمل/الترفيه : طالبه
المزاج : هادئه جدا

تفسير صورة يوسف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير صورة يوسف   تفسير صورة يوسف Emptyالإثنين سبتمبر 24, 2012 5:47 pm

باركـ الله فيكـ

و جزاكـ كل خير

شكرا على الموضوع

تقبلي مروري

تحياتي لكـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
د.بشرى
ادارة المنتدى ودكتورة طب عام
ادارة المنتدى ودكتورة طب عام
د.بشرى


sms sms : لا تنس ذكر الله.
الجنس : انثى
الثور
عدد المساهمات : 39326
تاريخ التسجيل : 09/06/2011
العمل/الترفيه : طبيبة عامة في القطاع الخاص.
المزاج : هادئة جدا.

تفسير صورة يوسف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير صورة يوسف   تفسير صورة يوسف Emptyالسبت أكتوبر 13, 2012 9:28 am


طرح مميز جدا حبيبتي روعة ... جعله الله في ميزان حسناتك ورزقك الفردوس الأعلى.
في آنتظار جديدك المميز جدا ... لك مني كل الحب والتقدير .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير صورة يوسف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة يوسف للشيخ محمد متولي الشعراوي .
» تفسير سورة المعارج(*تفسير السعدي*)
» صورة عن الف كلمة
» صورة ولك التعليق
» ضعي لنا صورة جوالك

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى القفطان المغربي :: القســــم الاسلامي :: قســم القـــرآن الكريــــم-
انتقل الى: