إلتهاب أوردة الأطراف السفلية مرض يشبه الدوالي، إنّما أخطر منه: إذ يمكن بسببه أن "تهاجر" جلطة دم نحو الرئتين، ما يؤدي إلى إنسداد أوعيتهما الدموية. وتلك حالة خطيرة.
إلتهاب الأوردة، أو "التجلط الوريدي الخثري" (بالإنجليزية phlebitis أو thrombosis وبالفرنسية phlebite أو veineuse thrombose)، مرض مزعج، لكنه غير خطير في حد ذاته، إنما قد تسميته الثانية، "التجلط" أو "التخثر الوريدي" (وهي الأصح والأقرب إلى الواقع)، ينصب الداء على وجود خثارة دم (تُدعَى علمياً thrombus) في منظومة الدورة الدموية.
- تجلط سطحي أم عميق؟
___________________
وتلك الخثارة، أو الجلطة، عَدَا عن تسببها في مشكلة إنسداد الأوردة، وهي ليست هيّنة أصلاً، قد تتنقل إلى أماكن أخرى، فتتضاعف خطورتها. وهذا ما يحصل بشكل خاص مع الرئتين، حيث تؤدي الجلطة "المهاجرة" إلى داء إنسداد الرئة. إذ ثمّة نوعان من التخثر: النوع السطحي، غير الخطير، والنوع العميق، الممكن أن ينطوي على خطورة.
فحين يكون التجلط سطحياً، لا داعي للقلق، سواء أكان نتيجة لحالة من الدوالي لم تعالج علاجاً شافياً، أم تجلطاً مستقلاً غير ذي علاقة بالدوالي. في هذه الحالة، يكفي تناول أدوية مضادة للإلتهاب، فتقضي على التخثر، وفي الوقت نفسه تزيل الآلام الناجمة عنه. وعموماً، تكون الجلطة السطحية واضحة وصلدة، ويمكن تحسسها باليد، وتحديد موقعها، حتى من خارج البشرة.
في المقابل، حين تتكون الجلطة في وريد داخلي، أي في أعماق أحد الطرفين السفليين، فإنّ إحتمال بروز تعقيدات وارد جدّاً. إذ يمكن للجلطة أن تتهشم، فتغادر أجزاء منها الجدران الداخلية للوريد المستقرة فيه، و"تهاجر" تدريجياً، مدفوعة من سريان الدم، إلى أن تصل في نهاية المطاف إلى نصف القلب الأيمن، ومنه إلى تفرعات الشرايين الرئوية. فإن استقرت الجلطة "المهاجرة" في الأوعية الدموية الرئوية، تحصل مضاعفات خطيرة، يتمثل أحد أهم تجلياتها في صعوبة التنفس، وما قد يجرُ إليه من تردٍّ للوضع الصحي العام.
- أسباب التجلط:
____________
أمّا أسباب التجلط، فمتباينة، وقد تتمثل في أحد العوامل الآتية:
* تركيبة الدم: ثمّة تراكيب تفضي إلى قابلية تخثر مفرطة (ما يدعى علمياً hypercoagulability).
* نوعية الجدران الداخلية للأوعية الدموية، وحالتها العامة.
* الوضع العام للدورة الدموية، حيث يؤدي تعرضها لخلل أو إضطراب ما إلى رفع إحتمال التجلط الوريدي.
- صعوبة التشخيص:
_______________
من أهم الصعوبات، في الحديث عن إلتهاب الأوردة، يشار إلى:
- أوّلاً: يصعب تشخيص المرض، مثلما سنرى.
- ثانياً: إحتمالات الإنتكاس، وتكرر الحالة المرضية، شائعة جدّاً.
فأعراض المرض غير محسوسة دائماً، وأحياناً معدومة جملة وتفصيلاً. هكذا، بحسب الإحصاءات الطبية، فإن 48 في المئة من حالات التجلط الوريدي لا تكتشف سوى في مرحلة تطورها إلى إنسداد رئوي. على الرغم من ذلك، ثمّة علامات وإشارات، نعددها في القائمة أدناه، قد تظهر إحداها، أو أكثر، ما يعين على لفت الإنتباه إلى إحتمال وجود تخثر وريدي داخلي. بالتالي، الإسراع في إستشارة الطبيب. وتتمثل تلك العلامات في الآتي:
* تحسس موجع نوعاً ما عند الضغط على الساق المصابة.
* بزوغ ألم مبهم بشكل مباغت، وغير مفسر، في أحد الطرفين السفليين.
* إحساس موضعي بالحرارة، في بقعة معينة من الساق دون غيرها.
* وجود احمرار غير مفسر في منطقة ما من الساق.
* تورم طفيف ظاهر في الطرف السفلي.
* ربّما إرتفاع درجة حرارة الجسم، ما يحصل في حالات قليلة جراء الإلتهاب.
وعند الإستشارة، يستعين الطبيب بتقنيات معيّنة لتوكيد، أو نفي، وجود تجلط وريدي في منطقة عميقة من الساق، أي غير التجلطات السطحية، سهلة الكشف باللمس المباشر. ومن تلك التقنيات، يشار إلى فحص دوبلر (Doppler) بالموجات الدقيقة، والتصوير الوريدي، الذي ينصب على أخذ صور بالأشعة السِّينية، إنما عقب حقن مواد ملونة خاصة في الوريد، لكي تسهل التمييز.
- تعقيدات أخرى:
_____________
وعَدَا عن إحتمال الإنسداد الرئوي، الذي يشكل أخطر مضاعفات التجلط الوريدي المحتملة، قد يؤدي هذا الأخير إلى منغصات أخرى في حال إهمال علاجه، أو إكتشافه بصورة متأخرة. ومن أهم تلك المنغصات والتعقيدات، يشير الأطباء إلى النكوص والسقطة، بمعنى تكرر الحالة حتى بعد علاجها. فالمعضلة تكمن عندما يؤدي تكرار الإلتهاب الوريدي إلى سد الوريد المصاب بصورة مزمنة، ما يترتب عليه ظهور وذمة موضعية دائمة في الساق، إضافة إلى إضطرابات جلدية في مستوى البشرة الخارجية أيضاً، مع إحتمال ظهور حالات قرحة معوية في بعض الأحيان.
- الوقاية والعوامل المساعدة:
_____________________
صعوبة كشف الإلتهابات الوريدية، وخطورة مضاعفاتها المحتملة، تَحضّان الأوساط الطبية والعلمية على إستنباط وسائل فاعلة للوقاية منها. فمثلاً، ينصحون أي مُراجع سبق أن أجريت له عملية جراحية في طرف سفلي، أو تعرض لكسر أو فسخ فيه، بتناول أدوية مضادة للتخثر، تفادياً للإلتهابات الوريدية. إلى ذلك، فإنّ الإضطرار إلى الإستلقاء على السرير لمدة طويلة، لسبب ما، وحالات الإنجاب المتكررة، تشكل عوامل مساعدة على الإصابة بالتهاب وريدي. هكذا، في تلك الحالات أيضاً، يسعَى الأطباء إلى نُصح المراجع بالتوقّي من الإلتهاب الوريدي المحتمل، وربّما يصفون له مضادات تخثُّر مسبقاً، قبل وقوع الداء.
ومن العوامل المساعدة الأخرى، التي قد تسهم في تعريض المراجع لإحتمال إلتهاب وريدي، يشير الأخصائيون إلى:
- الشلل.
- بعض أنواع السرطان.
- إضطرابات جينية (وراثية) في عملية تخثر الدم.
- للنساء: تناول هرمون الـ"إستروجين" المؤنث، أو موانع الحمل الهرمونية. وهذا ما يفسر أن جمع التدخين وتناول حبوب منع الحمل الهرمونية يشكل خليطاً خطيراً للغاية، من بين تداعياته الإصابة بإلتهابات وريدية. هكذا، يشدد الأطباء على ضرورة الإمتناع عن أحدهما إمتناعاً تاماً.
- حالة طوارئ:
___________
مثلما ذكرنا، في حال تشخيص تجلط وريدي سطحي، يكفي تناول مضادات إلتهاب، وربّما مضادات تخثر، فيزول الإلتهاب، ومعه الألم. لكن، في حال تشخيص تجلط وريدي عميق، يصف الدكتور أيضاً مضادات فيتامين "كي"، فضلاً عن مضادات التخثر (مثل دواء "هيبارين" أو ما يعادله). إلى ذلك، في حالة التجلط الوريدي العميق، لا يندر أن يأمر الطبيب بإدخال المراجع المستشفى حالاً.
فالتجلط الوريدي الخثري العميق يعد حالة طارئة، تستوجب على الأغلب الرقود في المستشفى، والخضوع لرقابة صحية دقيقة. وعقب الشفاء، ينبغي على المصاب أن يحمل شريط شد خاصاً، من البلاستيك، لفترة معيّنة، يحددها الطبيب بحسب الحاجة.
وفي بعض الحالات النادرة، يصف الطبيب أدوية ينصبُّ مفعولها على إذابة الجلطة الدموية. وفي حالات أندر، يمكن أن يُرغَم الطبيب على إخضاع المراجع لعملية جراحية، تستهدف إما إزالة الخثارة الدموية في حد ذاتها، أو لمعالجة الرئة المصابة في حال "هجرة" الخثارة إلى أوعيتها الدموية، ما يسبب الإنسداد الرئوي، أو لمنع الخثارة من التقدم أكثر، وذلك من خلال قطع الوريد المعني، أو وضع مرشح جراحي خاص، يتيح إستمرار سرَيان الدم، لكي يمنع الجلطة من مواصلة مسارها نحو منطقة الأوعية الدموية الرئوية.
هكذا، مثلما نرى، فإنّ الإلتهاب الوريدي، أو التخثر أو التجلط الوريدي، هو حالة مرضية جادة، لا ينبغي الإستهانة بخطورة مضاعفاتها المحتملة، الأشد وطأة بكثير من مجرد ظهور دوالي الساقين. فالمرضان متشابهان، لكن شتان ما بين تداعياتهما.
منقول للفائدة.