لا يمكن أن يحل فصل الشتاء من دون أن يحمل لنا في جعبته أمراضه المعهودة، وعلى رأسها الرشح والـ"إنفلونزا". كيف نَقي أنفسنا منها؟ وكيف نخفّف من حدّة عوارضها عند الإصابة بها؟.
الرشح والـ"إنفلونزا" المرضان الشائعان، اللذان يُصيبان الملايين في العالم كل عام، ينتقلان بالعدوى، عن طريق فيروسات، تدخل الجسم عبر الأنف، الفم، أو التشققات الجلدية. وإذا كان جهازنا المناعي قوياً، فإنّه يهاجم هذه الفيروسات ويقضي عليها. وإذا لم يكن كذلك، فإنّ الفيروس سيتمكن، في غضون يومين أو ثلاثة أيام، من التكاثر والإنتشار في أنحاء الجسم كافة، ونبدأ عند ذلك في الإحساس بالإنزعاج، وتظهر علينا العوارض المعروفة من عطاس، سعال، وآلام في الحنجرة، وإحتقان في مجاري التنفس.
وإذا كان الفيروس مجرّد فيروس رشح عادي، فإننا سنشفى في غضون أيام قليلة. أما إذا كان فيروس "إنفلونزا"، فتكون العوارض أكثر قسوة وعدداً، وأطول مدة، وتشمل إضافة إلى عوارض الرشح العادية، التعب والإرهاق، وآلاماً في العضلات والرأس، وحالات حمّى وقشعريرة. وفي بعض الحالات الخطيرة يمكن أن تؤدي الـ"إنفلونزا" إلى الإصابة بإلتهاب في الرئتين.
ومن البديهي أن تتركز جهودنا الأولى على الوقاية من الإصابة بالرشح والـ"إنفلونزا"، وأبرز ما يمكننا القيام به هو:
- غسل اليدين بإنتظام بالماء وبالصابون للقضاء على الفيروسات. فهذا هو أنجح وأبسط علاج وقائي، ولا يتطلّب منّا أكثر من 10 ثوانٍ في كل مرّة. وتجدر الإشارة هنا إلى أننا لا نحتاج إلى شراء أنواع الصابون المضادة للجراثيم، فهي لا توفّر لنا أيّة وقاية خاصة ضد الفيروسات، ويكفي إستخدام الماء والصابون العادي.
- تفادي لمس الوجه أثناء الوجود في الخارج، وذلك للحيلولة دون إنتقال الجراثيم والفيروسات إلى داخل الجسم، عبر العينين والأنف والفم.
- ممارسة الرياضة بإنتظام لأنّها تُقوّي أجهزة الجسم كافة، والجهاز المناعي خاصة، وتحفز عملية إفراز مضادات الأجسام والخلايا الدفاعية التي تهاجم الجراثيم وتقضي عليها. وأسهل طريقة للحصول على فوائد الرياضة، هي ممارسة المشيء لمدة تتراوح بين 40 و45 دقيقة يومياً.
- تجنّب الأمكنة المكتظة والمغلقة في موسم الرشح والـ"إنفلونزا". فمن البديهي أنّه كلما ارتفع عدد الأشخاص حولنا، تزداد إمكانية التقاطنا العدوى.
- الحرص على خلو المنزل من العفن، والعفن الفطري (عفن تحدثه بعض الفطريات على المواد العضوية أو على النباتات)، فالمنزل الرطب يؤثّر سلباً في صحة الرئتين.
والعفَن الذي ينمو في الرطوبة يمكن أن يتسبب في إلتهابات في الجهاز التنفسي، ويجعلنا أكثر عرضة تنظيف المنزل من أشكال العفن كافة، خاصة تلك التي يمكن رؤيتها في الحمّامات، فهي لا تجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالعدوى الفيروسية فحسب، بل إنها تُضعف مقاومتنا ضد إلتهاب الشعب الهوائية، وإلتهاب الرئة والحسّاسية.
- إعتماد نظام غذائي صحي غني بالخضار والفواكه والمنتجات الطبيعية، الغنية بالفيتامينات والمعادن، وخاصة الـ"سيلينيوم" الموجود في القمح، الأرز والحبوب الأخرى واللحوم. فالـ"سيلينيوم" هو مضاد أكسدة يساعد الجسم على مكافحة العدوى، وإنخفاض مستوياته يمكن أن يُضعف الجهاز المناعي، ويزيد من خطر الإصابة بالرشح والـ"إنفلونزا"، فهناك نصائح بسيطة عديدة، يمكن تطبيقها، ومواد طبيعية يمكن تناولها، للتخفيف من حدّة عوارض المرض وتَسريع عملية الشفاء، ونستعرض في ما يلي أهمها:
1- الراحة والتخفيف من التوتر:
______________________
الحصول على قدر كافٍ من الراحة ضروري، لمنح الجهاز المناعي الفرصة للتركيز على مقاومة الفيروس. كذلك أظهرت الدراسات أنّ التوتر المزمن يُلحق أضراراً بالجهاز المناعي ويُضعفه. لذلك من المهم تفادي التوتر والتخفيف من حدّته، عن طريق ممارسة تقنيات الإسترخاء مثل الـ"يوغا" والتأمُّل.
2- السوائل:
_________
يتوجّب إحتساء كمية وافرة من السوائل، خاصة الماء وعصير الفواكه الطازجة ونقيع الأعشاب، للحفاظ على رطوبة الجسم والتخفيف من كثافة الإفرازات المخاطية.
3- النوم:
_______
من المعروف أن أجدادنا، كانوا قبل إبتكار المضادات الحيوية، يلجأون إلى الثوم لعلاج أمراض، مثل الـ"دوسنتاريا" والـ"سل" والـ"إفلونزا". واليوم لا يزال في مقدورنا الإستعانة بالثوم لتقوية جهازنا المناعي. فالثوم يحتوي على مواد كبريتيّة قويّة، بما فيها الـ"إليسين"، التي تكافح العدوى، وتلعب دور المضادات الحيوية الطبيعية، التي تُعادل في قوتها قوة الـ"بنسلين". والواقع أنّ الثوم لا يقتل الجراثيم فحسب، بل يقضي أيضاً على الفيروسات والفطريات. ويُعتَبر الثوم النيء الأفضل والأكثر فاعلية، غير أنّ الثوم المطبوخ وأقراص خلاصة الثوم مفيدة أيضاً. فقد أظهرت دراسة بريطانية، أنّ الأشخاص الذين كانوا يتناولون قرصاً واحداً، يومياً، من خلاصة الثوم لمدة 12 أسبوعاً، أصيبوا بعدد أقل من حالات الرشح، وعند إصابتهم كانوا يشْفَون من المرض في فترة أقصر، مُقارَنة بأولئك الذين تناولوا أقراصاً مشابهة، عديمة الفاعلية.
4- الزنجبيل:
___________
يخفِّف الزنجبيل من آلام الحنجرة، ويساعد على التخلص من الإفرازات المخاطية. والمعروف أنّ الصّينيين كانوا يلجأون، منذ قرون عديدة، إلى إحتساء نقيع جذور الزنجبيل الطازجة لعلاج الرشح والسعال والـ"إنفلونزا". ويمكن التخفيف من عوارض الرشح، عن طريق تناول نقيع الزنجبيل الذي يتم تحضيره عن طريق غلي 3 أو 4 شرائح رقيقة من جذور الزنجبيل الطازج، في مقدار 450 ملل من الماء، على نار خفيفة لمدة 10 دقائق.
5- البهارات والأعشاب:
_________________
هناك عدد كبير من هذه المنتجات الطبيعية، التي تساعد على التخفيف من عوارض الرشح والـ"إنفلونزا" وأبرزها الفلفل الحار الذي يساعد على إزالة الإحتقان من الأنف والجيوب الأنفية، وذلك بفضل مادة الـ"كابسايسين" الموجودة فيه. ومثل الفلفل الحار، يُساعد مسحوق الفجل الحار المجفّف، على التخفيف من حدّة إحتقان مجاري التنفُّس. يمكن تناول ملعقة طعام من هذا المسحوق مع القليل من العسل، فكلاهما يساعد على قتل الجراثيم، كما يعمل الفجل الحار على تحليل الإفرازات المخاطية وفتح الجيوب الأنفية. ويلعب الكركم من جهته دوراً مهماً في مكافحة العدوى، ويمكن رش القليل منه على الحليب الدافىء وإحتساؤه، للتخفيف من آلام الحنجرة. كذلك يمكن اللجوء إلى نقيع القرفة، خاصة في حالات القشعريرة التي تُرافق الإصابة بالـ"إنفلونزا". وللمزيد من الفوائد، يمكن الجمع بين القرفة (نصف عود) والزنجبيل في النقيع نفسه. أمّا اليانسون فيُعتبر بمثابة مضاد طبيعي للـ"هيستامين"، وهو يخفّف من سيلان الأنف. ويساعد القَصعِين بدوره على التخفيف من حدّة السعال وآلام الحنجرة، بينما يساعد الترنجان على مكافحة الفيروسات، والزّعتَر الأخضر في القضاء على الجراثيم ومكافحة العدوى، التي تصيب الجهاز التنفسي. كذلك يُسهم البابونج في إزالة الإحتقان من الأنف والجيوب الأنفية، وذلك عن طريق تَنشُّق البخار المتصاعد منه، بعد وضع حفنتين من أزهاره في وعاء فيه ماء ساخن. كذلك من المفيد إستخدام نقيع البابونج للغَرغَرة كل ساعة، للتخفيف من آلام الحنجرة. ويساعد الـ"أوكالبتوس" من جهته، على تنقية الرئتين والتخفيف من الإحتقان، وذلك عن طريق تنفس البخار المتصاعد من نقيع الـ"أوكالبتوس" الساخن.
6- العسل والحامض:
_______________
يساعد العسل على التخفيف من آلام الحنجرة لأنّه يشكل طبقة ليِّنة عليها، وكذلك فإنّه يحتوي على مواد كيميائية طبيعية تُدعى الـ"بوليفينولات"، وهي مضادات أكسدة، وتتمتع بخصائص مضادة للإلتهابات. والعسل يكافح الجراثيم والفطريات والفيروسات. وهو مضاد للإلتهابات ويخفف من الآلام التي تصيب أنسجة الجسم. وأفضل أنواع العسل هي الداكنة. ويعتبَر مزيج الحامض والعسل علاجاً تقليدياً فاعلاً ضد الرشح. فعصير الحامض يوفّر لنا دفعة من الفيتامين (C) الذي يكافح الرشح، ويحتوي على حامض طبيعي يقتل الجراثيم. ويمكن تناول لعقة من مزيج العسل وعصير الحامض، للتخفيف من آلام الحنجرة، أو إحتساء كوب من الشاي الحار، الذي يحتوي على العسل وعصير الحامض، للتخفيف من الإحتقان وآلام العضلات. ولتحضير شراب طبيعي فاعل ضد السعال، يكفي إضافة عصير حامضة، وملعقة من العسل إلى كوب من الماء الفاتر وإحتساؤه.
7- الملح والماء الدافئ:
_________________
ليس هناك أقدَم وأنجح من العلاج الطبيعي البسيط، المتمثّل في إذابة نصف ملعقة من الملح في كوب من الماء الدافئ، وإستخدامه للغرغرة عند الإصابة بالرشح. فمن شأن ذلك أن يسحب الرطوبة من الأنسجة الملتهبة في الحنجرة، ما يسهل عملية البَلع ويخفِّف الألم.
8- خلاصة عشبة الـ"إخناصية":
______________________
على الرغم من تضارُب النتائج التي أجريت على هذه العشبة، في ما يتعلق بقدرتها على مكافحة الرشح والـ"إنفلونزا"، إلا أنّ العديد من الخبراء، لا يزالون يؤكدون أن تناول الجرعة المناسبة منها، يُعتبر علاجاً فاعلاً ضد أمراض الشتاء. وهم ينصحون بتناول أقراص، تحتوي على ما بين 500 و1000 ملغ من خلاصة الـ"إخناصية"، 3 مرّات في اليوم لمدة أسبوع.
9- الجنسنغ:
__________
هذا العلاج الصيني القديم، يساعد على تفادي تكرار الإصابة بالرشح مرّات عديدة، خلال فصل الشتاء. فتناول الجنسنغ يقوّي الإستجابة المناعية في الأغشية المخاطية، ما يُساعد على الوقاية من العدوى الفيروسية.
10- البروبايوتيكس:
______________
هناك دوماً معارك مستَعرة داخل أجسامنا، بين الجراثيم المؤذية والجراثيم الحميدة. وهذه الأخيرة التي يُطلق عليها اسم "بروبايوتيكس"، تساعد على وقايتنا من العديد من المشاكل الصحية، بما في ذلك عدوَى الجهاز التنفسي. وقد أظهرت الأبحاث أنّ الأشخاص الذين يشربون اللبن، الذي يحتوي على الـ"بروبايوتيكس"، ينجحون في تقصير مدة إصابتهم بإلتهاب الجهاز التنفسي، بنسبة 20 في المئة. ويمكن تقوية الجهاز المناعي، عن طريق تناول الـ"بروبايوتيكس" بانتظام، وهي مُتوافرة في أنواع عديدة من الألبان.
11- الزيوت العطرية:
_______________
هناك زيوت عطرية عديدة، معروفة بقدرتها على مقاومة الفيروسات، وعلى تقوية الجهاز المناعي. ومن المهم إستخدام هذه الزيوت عند ظهور أولى علامات الإصابة بالرشح أو الـ"إنفلونزا"، وذلك للإستفادة القصوى من خصائصها هذه. ويمكن إستخدام الزيوت العطرية، إمّا عن طريق إضافتها إلى ماء الحمّام، وإما عن طريق إستنشاق بخارها. وينصح الخبراء أيضاً بإستخدامها في جهاز التبخير، الذي ينشر رائحتها في أنحاء المنزل كافة، ما يُساعد على وقاية بقية أفراد الأسرة من إلتقاط العدوى. كما يمكن وضع 10 قطرات منها في زجاجة رَذاذ صغيرة مليئة بالماء، ورش المزيج في الهواء، من وقت إلى آخر في أرجاء المنزل. وأفضل أنواع الزيوت العطرية، المناسبة في حالات الـ"إنفلونزا"، فهي زيت الـ"أوكالبتوس"، شجرة الشاي، الحامض والخزامَى. أمّا للتخفيف من حدّة السعال فيمكن، إضافةً إلى الزيوت المذكورة، اللجوء إلى زيت الزعتر، والبخور، والمرْدَقُوش وتَنشُّق أبخرتها.
منقول للفائدة.