تميَّزت الشريعة الإسلاميَّة بأنها حفظت حقوق اليتامى والمساكين والأرامل، وجعلتهم في أمان ورعاية المجتمع المسلم بتكافله
معهم معنويًّا ومادِّيًّا؛ فيأمرنا الله بالرحمة باليتيم، فيقول: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ} (الضحى 9) كما يأمرنا بأن نعطي المسكين حقَّه المفروض له من قِبَلِ الله I،
فيقول: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا الاسراء 26.
قضاء حوائج المساكين والأرامل...
________________________
وزيادة في تدعيم حقِّ المساكين(1) والأرامل(2) يرغِّب رسول الله الأُمَّة كلها بالسعي في قضاء حوائجهم
فيقول رسول الله: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ"(3).
فقد رفع رسول الله قدر الذي يرعى شؤونهما إلى درجة لا يتخيَّلها أحد، فأيُّ أجر وأيُّ ثواب أعظم من ذلك؟!
الإحسان إلى اليتيم...
________________
كما يحثُّ رسول الله على الإحسان إلى اليتيم واعدًا بالأجر العظيم؛ وذلك تأصيلاً لحقوق اليتامى في الرعاية والكفالة،
فيقول رسول الله: "أنَا وكَافِلُ اليَتِيمِ(4) فِي الجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ". وأشار بأصبعيه، يعني السَّبَّابة والوسطى(5)
بل بلغت درجة الرفق والرحمة باليتيم أن رسول الله رغَّب أفراد الأُمَّة أن يضمُّوا اليتامى إلى أولادهم،
فقال رسول الله: "مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ"(6)
فالمنهج النبوي الشريف لا ينظر إلى اليتامى والمساكين والأرامل على أنهم يحتاجون إلى متطلَّبات الحياة المادِّيَّة فقط؛
بل ينظر إليه على أنهم بَشَرٌ حُرِمُوا من العطف والحنان.
ولم يقتصر رسول الله على التشجيع في رعاية وكفالة اليتامى، وإنما ذهب في سبيل ذلك إلى وسائل أخرى أكثر ترغيبًا؛
فترى رسول الله يقول لرجل أتى إليه يشكو قسوة قلبه: "أَتُحِبُّ أنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، وتُدْرِكَ حَاجَتَكَ؟ ارْحَمِ اليَتِيمَ، وامْسَحْ رَأسَهُ،
وأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ؛ يَلِنْ قَلْبُكَ، وتُدْرِكْ حَاجَتَكَ"(7)
ومن ناحية أخرى حذَّر رسول الله من ظلم اليتامى وأكل حقِّهم، فقال: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ(8)..وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ..(9).
كما قال رسول الله مرغِّبًا في إنفاق المال على المسكين واليتيم،
فقال: "... وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ، وَالْيَتِيمَ، وَابْنَ السَّبِيلِ..."(10)
ونجد رسول الله أيضًا يذمُّ طعام الوليمة الذي يحضره الأغنياء ولا يُدْعَى إليه الفقراء من اليتامى والمساكين،
فيقول رسول الله: "بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ؛ يُدْعَى إِلَيْهِ الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ..(11)
ولم يكتَفِ رسول الله بذلك كله، وإنما نصَّب نفسه الشريفة مسئوليَّة ولاية اليتامى والفقراء والمحتاجين،
فقال رسول الله يُعلنها كحاكم دولة: "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً(12)فَادْعُونِي فَأَنَا وَلِيُّهُ..."(13).
وكان رسول الله أسرعَ الناس إلى تطبيق ما يقول، فقد روى عبد الله بن أبي أَوْفَى أن رسول الله كان لا يأنف ولا يستنكف أن يمشي مع الأرملة والمسكين؛
فيقضي لهما حاجتهما(14).
هكذا أرسى الإسلام قواعد التعامل مع اليتامى والأرامل والمساكين، وكان رسول الله خير مطبِقٍ لهذه القواعد؛
فكان المثل والقدوة الرحيمة، فما أعظمه!
مما تصفحت وأعجبني.