قيمة العمل:
العمل قيمة حضارية، سادت المجتمعات الإنسانية، من أقدم العصور فبفضل العمل أقيمت الحضارات، فى شتى المجالات المادية والفكرية، التى منها ما هو قائم مدون من آثار مكتوبة ومذاهب وآراء مشهورة، ومنها ما هو شاهد إلى اليوم من معالم معمارية، ونقوش، وتحف، وأدوات طاولت الأزمنة المتلاحقة. فالعمل أساس الحضارات، جاءت به الأديان والنظم والتشريعات أى اتفقت على أهميته الأديان السماوية، والقوانين البشرية الوضعية.
ويمكن أن نقول إن العمل هو الحرية، هو الكرامة، هو التوازن النفسي والاجتماعي، هو الحاضر وهو المستقبل، والفرد الذي لا يعمل- مع توفر العمل وكانت له القدرة على إيجاده- فرد معدوم، والشعب الذي لا يعمل شعب سيؤول إلى الاندثار.
وبهذا الاعتبار يمكن أن نقول إن البطالة الإرادية عبودية، ذل، ومهانة، اختلال نفسي واجتماعي، طريق إلى الضلالة.
هذه توطئة ومحاولة فى تعريف العمل بعامة، ولكن إذا أردنا أن نقف
على مفهومه فى الإسلام فإننا سنجده يصبح قيمة دينية حضارية تحتل أعلى المراتب فى سلم القيم، ذلك أنه يمتزج بالإيمان الذي هو ركيزة الدين الحنيف.
فالعمل فى الإسلام فضلا عن كونه مقوما أساسيا لبناء الحياة الفردية والمجتمعية، وتأمين المحيط السليم، هو عبادة.
العبادة فى الإسلام تشمل جانبين جوهريين:
أولا: فرائض الله على عباده من صلاة وصيام وزكاة وحج للمستطيع، ودعاء وشكر وتسبيح.
ثانيا: السعى والعمل الدؤوب لإقامة أسباب العيش الكريم علما وصناعة وفلاحة وتجارة تعميرا وتفجيرا للقوى المختلفة، لصالح الفرد والمجتمع، وهو ما نسميه اليوم بالتنمية الشاملة لمختلف المجالات المادية، والفكرية، وا لروحية ا لإنسانية، وا لاجتماعية، وا لطبيعية.
والإنسان هذا الذى خلقه الله فى أحسن تقويم، وجعله خليفته فى الأرض،
من أول مظاهر فطرته السوية، ميله إلى العمل، لأن العمل جزء من كيانه العضوي والنفسي. فالقلب هذه العضلة النبيلة، لا تتوقف عن العمل داخل جسم الإنسان ولدى الكائنات الحية التى لها قلوب، بل إن عمل القلب الوظيفي هو مظهر الحياة، ولا يتم إلا بتوفر شروط السلامة والغذاء والهواء وغيرها.
أعمار الأرض رسالة الإنسان:
ومن هنا يمكن القول بأن رسالة الإنسان تتحدد فى جوانب من أهمها الكدح للحصول على رزقه، وتأمين عوامل الحفاظ على كيانه الجسمي والنفسي.
وقد هيأ الله للإنسان مجال معيشته والحفاظ على حياته بأعمار الأرض
قال تعالى: ( ولقد مكناكم فى الأرض وجعلنا لكم فيها معايش ) (1). كما قال عز وجل
هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) (2).
ومن أهم جوانب رسالة الإنسان المسلم، إصلاح النفس، وهذه العملية
تبدأ بمسئولية الآباء فى حسن تربية الأبناء، ثم تؤول إلى الإنسان عند اكتمال نضجه وتهيئه لتحمل مسئولية التكليف، فيصبح مطالبا بإصلاح نفسه، ثم بإصلاح ذويه وقرنائه وغيرهم ممن يتصل بهم ويؤثر فيهم.