نماذج ثرّة في رَحْبِ فضائِنا .. تتألّق بمحنة البدنِ أو الحواس .. تومض بالصبرِ .. وتنبض بالعطاء .. أحالت محنتها إلى منحة عظيمة أجزلت تاريخ البشريّة بأنموذجيّتها .. حين تحدّت حاجز العوقِ .. بفاعليةٍ وعزم وإصرار
فأراد عمرو بن الجموح - رضي الله عنه - أن يطأ بعرجته الجنّة .
وأصبح جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - يطير بجناحين من نورٍ في الجنّة .
التاريخ كتب عن الكثير من هؤلاء العظماء الذين لم تمنعهم اعاقتهم عن فعل الأشياء العظيمه على سبيل المثال:
(1- الصحابي الجليل عبدالله ابن ام مكتوم رضي الله عنه
استخلفه الرسول _صلى الله عليه وسلم_ مرتين في المدينة المنورة بعد الهجرة رغم انه كان ضريراً 0وللتدلليل على هالتكريم والتوقير نزلت في حقه آية قرآنيه " عبس وتولى أن جاءه الأعمى" وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يلقاه فرحاً ويقول "أهلاً بمن عاتبني به ربي" فهنيئاً له هالشرف
وقد تواصل التكريم مع ابن أم مكتوم في خلافة عمر بن الخطاب حين تقدم الصفوف في معركة القادسية حاملاً راية الجيش متسربلاً بدرع المقاتلين الأبطال باعتباره قدوتهم.
(2- ربعي بن عامر
صحابي جليل كان معاقاً بسبب شدة عرجه وصعوبة مشيه وحركته 0لكنه تميز بطلاقة اللسان والقدرة على التفاوض حيث ارسله سعد بن ابي وقاص الى قائد الفرس رستم فكان من انجح السفراء والمبعوثين السياسيين نظراً لصلابة عقيدته وشجاعته واخلاصه في المهمة ولم تحل اعاقته دون اختياره لتلك المهمة الصعبة ، ومن هنا كتب التاريخ عن ان معاقاً اعرجاً تحدى أكبر قادة جيوش العالم في قصره الامبراطوري .
(3- عطاء بن رباح:
إمام أهل مكه وعالمها وفقيها فعلى الرغم من انه كان أشل أعرج مما يعيق حركته بين الناس الا انه كان عالماً وفقيهاً 0 كان إ>ا جلس في حلقته العلميه يتدافع الالاف من طلاب العلم على النهل من علمه وعطائه لدرجة ان الخليفه الاموي عبد الملك بن مروان يقول : لايفتي الناس في موسم الحج الا من عطاء بن رباح.
(4- الإمام الزمخشري :
لقد كان الامام الجليل مفسراً للقرآن الكريم وعالماً في اللغه وواضعاً لأسس البلاغه 0 وكان أعرجاً إلا انه كان كما قال العلماء والمؤرخون من أئمة المفسرين ويكفي الاستدلال بمقولتهم " لولا الاعرج لرفع القرآن بكرا".
ومن هؤلاء العظماء ... ابو العلاء المعري :
ولد سنة 973 وتوفي سنة 1057 . أي بلغت حياته 84 سنة . ولد في معرة النعمان . شاعر ومفكر . عاش حياته مكفوفاً بعد اصابته بداء الجدري وهو في الرابعة من عمره فقدت عينه اليسرى البصر وغشي اليمنى بياض أضعف قدرتها على الرويا ولم يلبث ان ففد بصره.
درس في حلب وطرابلس وأنطاكية . سافر الى بغداد ث ثم الى معرة فعاش فيها معتزلاً العالم بعد أن تزود، إظافة الى تعاليم الاسلام ، كما تعمق بالفلسفة اليونانية والفلسفة الهندية. كان رقيق العاطفة ، ثاقب العقل ، لاذع الانتقاد، دقيق الاحساس ، متبرماً بالناس والدنيا . من مؤلفاته " سقط الزند " وهو مجوعة قصائد " واللزوميات " في الفلسفة العلائية " ورسالة الغفران" في قصة الهية طريفة.
ان ما يهمنا هو ان مفكرنا لم يستسلم بل واجه مشكلته وحزم أمره على الانتصار مواصلاً الجهاد حتى يبلغ الغاية فشق طريقاً معينة ابدع فيها شاعراً ومفكراً وفيلسوفاً . فبفقده للبصر تمسك بالبصيرة فجعل العقل مقياساً لجميع الأحكام وله الإمامة المطلقة بقوله "....... لا إمام سوى العقل " .
بهذا ، السلاح ، سلاح العقل ، يمكن لأي معوق أن يستوعب إعاقته ويطلق طاقاته الأخرى الكامنه فيعيش تالياً على الاقل حياة طبيعية يكتسب بجهده وقد يسير خطوات متقدمة نحو الابداع والانتاج الوفير. حيث ان ابا العلا بنضج البصيرة امتلك الشعر كأداة للتعبير وللانعتاق من سجن الظلمة العميقة مبرهناً عن قدرته على التفاعل وعلى حيويته ويقظته في مواجهة المشكلة.
وهنالك ابطال لم تمنعهم عاهة الصم من تبوئهم مكان مرموق عند أهل العلم ومن هؤلاء
حاتم بن عنوان:
المتوفي سنة 237ه والملقب بحاتم الأصم ولقمان الأمه لما اشتهر به من الورع والزهد والحكمه0
محمد بن يعقوب بن يوسف الملقب بابي العباس الأصم
كان من أهل الحديث وقال عنه ابن الاثير : كان ثقه أميناً وهي أهم صفة يتحلى بها من يشتغل بصناعة الحديث
من أشهر العلماء العرب الذين لم تمنعهم الإعاقة من خدمة البشرية بما قدموه من علم وفقه
هو المحدث والمفسر والحافظ والعلامة قتادة بن دعامة السدوسي، أبو الخطاب، علم في العربية واللغة وأيام العرب والنسب. كان ضريراً وأكمه. وكان يقول: ما قلت لمحدث قط أعد علي، وما سمعت أذناي قط شيئاً إلا وعاه قلبي. قال أحمد بن حنبل: كان قتادة أحفظ أهل البصرة لا يسمع شيئاً إلا حفظه، قرأت عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها. ولم يتأخر أحد عن الاحتجاج به، روى له أصحاب الكتب الستة وغيرهم. مات في العراق بالطاعون.
منقووووول.