السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظكم الله يا شيخ
يوجد بالنت بحث باسم ( بيان طهارة المذي ) فهل صحّت طهارة المذي ؟
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الجواب :وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وحَفِظَك الله وَرَعَاك .
مذهب جماهير أهل العِلْم على القول بنجاسة المذي . بل شدد فيه بعض العلماء أكثر مِن التشديد في البول !
روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أريت إن وجدت المذي أكنت
ماسحه مَسْحًا ؟ قال : لا ، المذي أشدّ مِن البول ، يُغْسَل غَسْلاً . وقال
مالك : المذي عندنا أشدّ مِن الودي ؛ لأن الفَرْج يُغْسَل عندنا من المذي ،
والودي عندنا بِمَنْزِلة البول .
قال ابن عبد البر : قد جعل مالك المذي أشدّ مِن البول ، وقال : لأن الفرج
يُغسل منه . قال ابن عبد البر :ومعلوم أن البول يُغْسَل منه المخرّج
والحشفة ، فإذا كان المذي أشدّ منه فلا وَجْه لذلك إلاَّ أن يُغْسَل منه
الذَّكَر كُله .
ووَجْه يَحْتَمِله أيضا ؛ قد اختلف الفقهاء فيه ، وهو أنه لا مَدخل للأحجار
في المذي ، وأنه لا يُسْتَنْجَى مِنه بالأحجار كما يُصْنع بالبول والغائط ،
ولا بُدّ له مِن الغَسْل بالماء . وهو عندي معنى قول مالك ؛لأن الفَرج
يُغْسَل مِن المذي .
والأصل في النجاسات عنده أنه لا يُطَهّرها إلاَّ الماء وحده إلاَّ ما خُص
به البول والغائط من الأحجار ، وذلك لتواترهما ، ولأنهما ينوبان الإنسان
كثيرا فَخُفِّف في أمرهما .
وقال ابن عبد البر : ولا يختلفون أن صاحب المذي عليه الغَسْل لا الرَّشّ ،
وإنما اختلفوا فيما يَغْسِل منه الذَّكر كله ؛ فقالت طائفة : يغسل منه
الذَّكَر كله . وقيل : لا يغسل منه إلاَّ المخرَج كالبول . وقد قال عمر :
فليغسل ذَكَرَه .
مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال : إني لأجده ينحدر مني
مثل الخريزة . فإذا وَجَد ذلك أحدكم فليغسل ذَكَره وليتوضأ وضوءه للصلاة .
يعني : المذي . واخْتُلِف عن ابن عباس في ذلك ؛ فروى عنه عكرمة وغيره :
اغسل ذَكَرك وما أصابك ثم توضأ وضوءك للصلاة .
وقال عكرمة : هي ثلاثة : المني والودي والمذي .
فأما الودي فإنه الذي يكون مع البول وبعده ، ففيه غَسْل الفَرْج والوضوء
للصلاة .وأما المذي فهو إذا لاعب الرجل امرأته ، ففيه غَسْل الفَرْج
والوضوء للصلاة . وأما المني فهو الماء الذي تكون فيه الشهوة الكبرى ، ومنه
يكون الولد ففيه الغُسْل .
وقد روى عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس في المذي
والودي والمني : حق الغسل ، ومن المذي والودي الوضوء يغسل حشفته ويتوضأ .
وعن الثوري عن زياد بن الفياض قال : سمعت سعيد بن جبير يقول في المذي :
يَغْسِل حشفته . اهـ . كلام ابن عبد البر .
وقال الإمام النووي : أجمعت الامة على نجاسة المذي والودي . ثم مذهبنا
ومذهب الجمهور أنه يجب غسل المذي ولا يكفي نَضْحه بغير غَسْل . وقال أحمد
بن حنبل رحمه الله : أرجو أن يُجزيه النضح ، واحتج له برواية في صحيح مسلم
في حديث علي : " توضأ وانْضَح فَرْجك" .
ودليلنا رواية : " اغسل " ، وهي أكثر ، والقياس على سائر النجاسات . وأما
رواية النضح فمحمولة على الغَسْل ، وحديث علي رضي الله عنه صحيح رواه هكذا
أبو داود والنسائي وغيرهما بأسانيد صحيحة ، ورواه البخاري ومسلم . اهـ .
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي : وقد اختلف العلماء في معنى الأمر بِغَسْل
الذَّكر مِن المذي : هل المراد غَسْل ما أصاب الذَّكَر منه كالبول ، أو غسل
جميع الذَّكَر ؟وفيه : قولان ، وهما روايتان عن مالك والإمام أحمد .وحُكِي
عنه رواية ثالثة ، بِوُجوب غَسْل الذَّكَر كُلّه مع الأنثيين ...
فأما إن أصاب المذي غير الفَرْج من البدن أو الثوب ، فالجمهور على أنه نجس يَجب غَسْله كالبول .
وعن أحمد رواية : أنه يُعفى عن يَسيره كالدَّم .وعنه رواية ثالثة : أن
نجاسته مُخَفَّفة ، يجزىء نَضْحه بالماء ، كَبَول الغلام الذي لم يأكل
الطعام ؛ لعموم البلوى به ، ومَشَقَّة الاحتراز منه . اهـ .
والقول بنجاسة المذي هو مذهب الْمُحدِّثين
قال الإمام البخاري : بَاب غَسْل الْمَذْيِ وَالْوُضُوءِ مِنْه . ثم روى
بإسناده إلى عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ رَجُلا مَذَّاءً
فَأَمَرْتُ رَجُلا أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ ، فَسَأَلَ ، فَقَال : تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ
ذَكَرَكَ .
والحديث مُخرَّج في الصحيحين .
وقياس المذي على المني غير صحيح ؛ وإن اشتركا في العِلّة ؛ لأن طهارة المني أصلا محلّ خِلاف .
بل إن من العلماء من يقلب المسألة : فيقيس المني على المذي ، فيحكم بنجاسة المني لأنه مِن جنس المذي !
وهذا لبيان أن إلْحَاق المذي بالمني لا يُسلَّم لصاحبه به ، لوجود التنازع قديما فيه .
ولو كان أصل المذي ومخرجه هو أصل المني ، إلاّ أنهما يختلفان في المادة ،
وتختلف صِفات كل منهما ، والمذي أقرب إلى الودي ، وهو نجس بالإجماع ، فكان
إلحاقه به وقياسه عليه أوْلى .
ولا يتأتّى قياس المذي على المخاط .
ورحم الله الإمام أحمد إذ كان يقول : أكثر ما يُخطئ الناس في التأويل والقياس !
ونحن إذا قلنا بنجاسة المذي ، فإننا نَتَّبِع بذلك الدليل ، ونأتَمِر بأمر
النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر عليًّا رضي الله عنه بغسل فرجه مِن
المذي .
وإذا غسلنا المذي بناء على الْحُكْم بنجاسته ، فقد استبرأنا لِديننا ، وصحّت صلواتنا الطهارة عند جميع علماء الأمة .
بينما لو لم نغسل المذي ، وأخذنا بِقَوْل عالِم واحِد ، فإن الصلاة لا تصح عند أكثر العلماء .
والواجب أن يَخرُج الإنسان مِن عُهدة الواجِب بيقين .
وأما دعوى أنه يشقّ التحرّز منه ، أو أن في غَسْلِه مشقّة ، فلا يُسلَّم
لِقائله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ،
وأجرى العلماء ذلك في كل حَدَث دائِم .
وهذا أولى بِرفع المشقة . ومع ذلك لم يُلتفت إليه ؛ لأن الوضوء شَرْط للصلاة .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة : أما المذي
فيجب غَسْل الذَّكَر والأنثيين منه ، ويجب الوضوء منه للصلاة ، ونَضْح ما
أصاب البدن أو الملابس منه .
وفيها أيضا : وأما المذي فإنه نجس فإذا خرج منك مَذي وَجَب غَسْل الذَّكر
مِن أصله والأنثيين ، ونَضْح ما أصابه المذي من الثوب والبدن ؛ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم أمَر عَلِيًّا بِغَسْل الذَّكر والأنثيين ، والوضوء مِن
المذي ، وأمَر بِنَضْح ما أصاب الثوب من ذلك .
وقال شيخنا ابن باز : الواجب في المذي أن يغسل الذَّكَر والأنثيين . وقال شيخنا العثيمين بنجاسة المذي في " الشرح الممتع " .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد