شهد عام 2011 تطورات ملموسة في هذا المجال، حيث تمكن فريق بحثي من تصنيع أوعية دموية دقيقة تتسم بالمرونة والتمدد والتفاعل مع الأنسجة الطبيعية.
محاكاة الأعضاء البشرية باستخدام الطابعات البيولوجية ثلاثية الأبعاد، واستنساخ خلايا جذعية بشرية في المختبرات، واستخدام الكلاب البوليسية في الكشف عن السرطان، واستخلاص مضادات حيوية من الصراصير والجراد والضفادع، واستبدال «الصحن الغذائي» بالهرم الغذائي، ونجاح عقار لعلاج الإيدز يمنع انتشار المرض ويحمي الأصحاء، وكشف اللغز الغامض للعلاقة بين البكتيريا وسرطان القولون اكتشافات وتطورات طبية مثيرة شهدتها الأروقة العلمية خلال عام 2011.
أعضاء بشرية:
محاكاة الأعضاء البشرية في المختبرات باستخدام «الطابعات البيولوجية ثلاثية الأبعاد»، أحد مجالات البحوث الطبية الحديثة المبشرة ببزوغ عصر جديد في الطب حيث يمكن من خلالها تصنيع أعضاء بشرية أو إصلاح وتعويض الأعضاء التالفة أو المريضة.
وقد شهد عام 2011 تطورات ملموسة في هذا المجال، حيث تمكن فريق بحثي من تصنيع أوعية دموية دقيقة تتسم بالمرونة والتمدد والتفاعل مع الأنسجة الطبيعية، يمكن استخدامها في العمليات الجراحية المعقدة، وعمليات القلب المفتوح.
وأعلن فريق آخر عن نجاح تصنيع مواد وهياكل تشبه العظام يمكن استخدامها في إجراءات تقويم العظام والأسنان، كما تمكن فريق بحثي آخر من طبع خلايا الجلدية ورشها على سطح الجلد لمعالجة الحروق والتقرحات الجلدية المستعصية باستخدام طابعات بيولوجية ثلاثية الأبعاد (3D Bio-Printers).
جدير بالذكر أن السنوات القليلة منذ عام 2006 شهدت قفزات هائلة في مجال محاكاة الأعضاء البشرية في المختبرات، فقد تمكن الباحثون من تصنيع مثانة بولية كاملة، ومجرى بول وقصبة هوائية تم زراعتها في مرضى خلال تجارب سريرية، ولا تزال تعمل بكفاءة حتى الآن. ويتوقع الباحثون أن تتمكن الطابعات البيولوجية ثلاثية الأبعاد بحلول عام 2015 من إنتاج أعضاء أكثر تعقيدا مثل القلب والكبد والبنكرياس، لاستخدامها في عمليات زراعة الأعضاء.
وتتم محاكاة الأعضاء البشرية في المختبرات باستخدام تقنية الطابعات ثلاثية الأبعاد على عدة خطوات، تتضمن أولا عمل صورة ثلاثية الأبعاد للعضو المراد نسخه، لتحديد حجم وشكل وسعة الفراغ الذي سيزرع فيه، ثم يتم إدراج هذه الصورة إلى طابعة ثلاثية الأبعاد تحتوي على حبر خاص جدا مكون من خلايا حية ومواد ومحاليل طبيعية وكيميائية لازمة لتنمية خلايا العضو المطلوب، ثم تقوم الطابعة بطباعة طبقات متتالية رقيقة بعضها فوق بعض حتى يتم إنتاج العضو أو النسيج ثلاثي الأبعاد.
خلايا جذعية بشرية:
وفي مجال أبحاث الخلايا الجذعية، نجح علماء أميركيون لأول مرة في استنساخ خلايا جذعية جنينية باستخدام تقنية «النقل النووي للخلايا الجسدية»، التي تشمل إزالة المادة الوراثية من نواة خلية البويضة المضيفة، لتحل محلها نواة من خلايا أشخاص بالغين، وهي نفس التقنية التي استخدمت لاستنساخ حيوانات مثل النعجة دولي عام 1996.
وأكد الباحثون أن الخلايا الجذعية المستنسخة تتلاءم تماما مع كل مريض على حدة ويمكن زراعتها لتحل محل الخلايا المتضررة بالجسم دون أن يرفضها جهاز المناعة، وقد أثار نجاح التجربة جدلا واسعا باعتبارها نوعا من الاستنساخ الذي يعارضه بشدة بعض العلماء والهيئات الاجتماعية والأخلاقية والدينية.
الكلاب البوليسية والسرطان:
للكلاب البوليسية شأن كبير في الأبحاث الطبية خلال عام 2011، فقد أكدت دراسة ألمانية إمكانية الاعتماد على حاسة الشم التي تتمتع بها الكلاب، والتي تعادل في بعض الأنواع نحو 200 ألف مرة حاسة الشم عند الإنسان، للكشف المبكر لإصابة الإنسان بسرطان الرئة، نظرا لاحتواء هواء زفير الإنسان المصاب بسرطان الرئة على مركب عضوي يسمى (VOS) يمكن للكلاب البوليسية المدربة تمييزه بدقة عالية.
اعتمدت الدراسة على كلاب منزلية من ألمانيا وأستراليا وبعض الكلاب من نوع «لبرادور» أيضا، وتم تدريبها لمدة 11 أسبوعا على تحديد المركبات العضوية المتطايرة التي ترتبط بوجود السرطان، والتي تخرج مع زفير المرضى. وجاءت النتائج مثيرة للغاية، فقد نجحت الكلاب في تحديد الإصابة بسرطان الرئة في 71 من أصل 100 عينة، كما أمكنها اكتشاف خلو 372 عينة من المرض من أصل 400 عينة.
وفي تجربة مثيرة أجريت في قاعدة عسكرية جنوب العاصمة الفرنسية، استعان الباحثون بكلب من فصيلة «البيرجيه البلجيكي»، تم تدريبه على شم بول الرجال المصابين بسرطان البروستاتا، وبالفعل تمكن الكلب دون تردد من تحديد عينة البول لمريض السرطان من بين عدة عينات لأشخاص أصحاء.
كما أكدت دراسات أخرى قدرة الكلاب المدربة من أنواع «لبرادور»، وكلاب الماء البرتغالية، على اكتشاف الإصابة بسرطانات المثانة والجلد والثدي والمبيض عن طريق حاسة الشم أيضا.
وقد أكد الباحثون أن الهدف النهائي من الدراسات هو محاولة التعرف على المركبات الكيميائية المرتبطة بوجود السرطان، التي تكتشفها الكلاب عن طريق حاسة الشم، ومن ثم العمل على ابتكار وتطوير جهاز (أنف صناعي) يتميز بحاسة شم توازي قوة حاسة الشم لدى الكلاب يمكن استخدامها في الكشف المبكر عن السرطانات المختلفة.
ويتوقع الباحثون إمكانية التوصل لتصنيع الأنف المطلوب خلال سنوات قليلة قادمة.
مضادات حيوية من الصراصير:
وفي دراسة غريبة أكد الباحثون بجامعة نوتنغهام البريطانية احتواء أجسام الصراصير والجراد على مضادات حيوية، قد تساعد على مكافحة العديد من الأمراض. وأكد الباحثون أن المضادات الحيوية المستخلصة من مخ الصراصير يمكن أن تكون بدائل محتملة للعقاقيرالمتوافرة حاليا، وتكون أكثر فاعلية منها، لكنهم لم يتأكدوا حتى الآن من وجود آثار جانبيه لها أم لا.
وأكد الباحثون استخراج أكثر من 9 جزيئات مختلفة من أنسجة الصراصير تكون سامة لكثير من البكتيريا المسببة لأمراض مختلفة في جسم الإنسان، ومنها بكتيريا «إي كولاي»، والبكتيريا متعددة المقاومة للمضادات الحيوية «ميرسا»، ورفع الباحثون شعارا مثيرا وغريبا «من الآن.. لا تقتلوا الصراصير».
وفي سياق متصل تمكن فريق من العلماء الأميركيين من تحديد نحو 100 مادة كيميائية تحتويها جلود الضفادع يمكنها قتل البكتيريا والفيروسات، وذلك بعد دراسة إفرازات جلد أكثر من 6 آلاف نوع من الضفادع، كما أكد فريق بحثي آخر أن البروتينات الموجودة في أمعاء نمل الخشب يمكن استخدامها لصنع أدوية لمكافحة بعض أشد أنواع البكتيريا ضررا للإنسان، مثل بكتيريا السالمونيلا، التي قد تسبب الوفاة.
وداعا للهرم الغذائي وأهلا بـ«الصحن الغذائي» :
وبعد سنوات طويلة من استقراره كمفهوم أساسي، قرر خبراء التغذية إنهاء خدمة الهرم الغذائي المعروف للجميع، واستبدال صحن دائري أطلق عليه «الصحن الغذائي» به، وأكد الخبراء أن الهرم الغذائي غير دقيق نظرا لعدم تمييزه بين الأطعمة الصحية كالحبوب الكاملة والسمك وزيت الزيتون والأطعمة غير الصحية مثل الخبز الأبيض واللحم الأحمر والزبد وغيرها، أما الصحن الغذائي فيمكن استغلاله في نقل الرسالة الغذائية بطريقة مبسطة للجميع ويمكن استخدامه في الحياة اليومية.
وأكد خبراء التغذية ضرورة احتواء نصف الصحن الغذائي على الخضراوات غير النشوية مثل البروكلي والجزر والخس والخيار والبندورة وغيرها، أما النصف الباقي فيجب احتواء ربعه الأول على أفضل أنواع اللحوم كالدجاج أو الأسماك، أو يمكن ملئه بالبيض أو الحبوب، أما الربع الأخير من الصحن فيجب أن يكون مخصصا للخبز الأسمر أو المعكرونة السمراء أو البرغل أو البازلاء أو الفاصوليا أو الأرز الأسمر، كما يمكن إضافة بعض الدهون الصحية كزيت الزيتون أو زيت الكانولا إلى الصحن.
وبجانب الصحن المليء بالمغذيات الصحية يجب أن يكون هناك كوب من اللبن قليل الدسم لمنح الجسم الجرعة اللازمة من الكالسيوم، ولا يجب نسيان حصة الفاكهة التي يجب أن تكون بمحاذاة هذا الصحن، ويفضل تناولها غير مقشرة للحصول على أكبر كمية من الألياف الغذائية.
ولمزيد من الإيضاح تم تلوين أقسام «الصحن الغذائي» كما يلي: اللون البني يمثل الحبوب مثل القمح والأرز والشوفان والذرة والشعير والمعكرونة وحبوب الإفطار والبرغل، واللون الأخضر يمثل الخضراوات النيئة والمطبوخة والطازجة والمعلبة والمجففة، التي يمكن تناولها مهروسة أو على شكل قطع، واللون البنفسجي يمثل البروتينات كاللحوم والدواجن والفول والبازلاء والماكولات البحرية والبيض ومنتجات الصويا والمكسرات والبذور.
ويمثل اللون الأحمر الفاكهة الطازجة والمعلبة والمجففة والعصائر الطبيعية، أما اللون الأزرق فيمثل الحليب ومشتقاته على أن تكون قليلة الدسم، أو خالية من الدسم.
حماية الأصحاء من الإيدز:
عقاقير معالجة الإيدز تحمي الأصحاء من الإصابة بالمرض: تتويجا لجهود العلماء المتواصلة في القضاء على مرض الإيدز، أكد الباحثون بجامعة واشنطن في دراسة أجريت على مدار 3 سنوات شملت أكثر من 4 آلاف من الأزواج، أحدهم مصاب بالإيدز والآخر سليم، نجاح عقار يسمى «TRUVADA» في الإقلال من احتمالات انتقال العدوى من المصاب إلى السليم بنسبة وصلت إلى نحو 73 في المائة.. ويرى الباحثون أن التأثير الوقائي للعقار الجديد يحمل أمالا عظيمة في الوقاية من وباء الإيدز العالمي.
سرطان القولون مرض بكتيري:
ولأول مرة أيضا تؤكد الدراسات وجود علاقة مباشرة بين أحد أنواع بكتيريا القولون النادرة، التي يطلق عليها اسم «Fusobacterium» والإصابة بسرطان القولون، والجدير بالذكر أن الدراسات السابقة أشارت إلى العلاقة غير المباشرة بين بكتيريا القولون وحدوث التهابات وتقرحات تتطور إلى سرطان القولون.
وأكد الباحثون وجود بكتيريا «Fusobacterium» بكميات مضاعفة مئات المرات في عينات الأنسجة المصابة بسرطان القولون مقارنة بالأنسجة غير المصابة بالسرطان.. والاكتشاف الجديد يفتح أمالا جديدة في الوقاية من سرطان القولون عن طريق التخلص من العدوى البكتيرية بالقولون.