انجلى الليل واستبان الصباح,وطارت الطيور من أوكارها وغردت بأغاني الجمال,ونشرت الشمس خيوطها الذهبية إلى حقول المدينة, وخرج الناس إلى أعمالهم بجد ونشاط.
كانت الحياة بين الناس آنذاك قائمة على التعاون والتراحم والود والبساطة, ويوجد في المدينة قصر يعيش فيه الملك قصي وابنه الأمير سيف, ومجموعة من الخدم والحشم والحراس.
كان الملك قصي ظالم قاسي القلب ليس له ضمير,لا يشعر بالناس ولا يتفقد أحوالهم, ولا يصلح شئونهم ,ويفرض الضرائب الباهظة عليهم,حتى المزارعين عندما يجنون المحصول ويبيعونه في الأسواق يأخذ ثلاثة أرباع المال ويترك لهم القليل منه.
آما ابنه الأمير سيف فكان لا يحب أعمال وتصرفات واضطهاد آبيه للناس,وعندما ينصحه بالا يعامل الناس هده المعاملة السيئة, يصرخ قائلاه:كف عن هذا أنت لست ابني فأنت بطباعك لست مثلنا , فيرد عليه قائلا :أتعرف لماذا؟ فيقول: لماذا؟ قال:لأني أخاف الله آما أنت فلا.
ذات يوم جاء رجل إلى الملك لكي يشكوا إليه مظلمته, قائلا له:ان حراسك افسدوا علي بضاعتي,قال له الملك:لابد انك أغضبتهم,قال له الرجل:كلا لم أغضبهم وإنما كل الحكاية أنهم أرادوا ان يشتروا التمر بثمن بخس, فرفضت ذلك بشدة فافسدوا علي بضاعتي ,وأنا رجل بالكاد أحصل على قوت يومي بصعوبة ولدي أطفال كثيرون يحتاجون إلى كثير من المال لكي يأكلوا ويشربوا ويكتسوا .
والآن احكم أيها الملك بالعدل,فضحك الملك قائلا:حقا أتريدني ان احكم بالعدل؟ فقال الرجل:نعم,وتطرق الملك قائلا:حسنا استمع إلى الحكم وأطع,ثم قال:أيها الحراس اقبضوا على هذا اللعين, فقال الرجل:أنت ظالم وقاسي القلب وليس لك ضمير ثم أخذه الحراس إلى السجن.
وفي طريقه إلى السجن قابل الأمير سيف, وحكي له حكايته,فقال سيف: أنا سوف انتصر لمظلمتك, ثم ذهب الرجل إلى السجن,وذهب الأمير سيف إلى والده,ودخل عليه, ورآه يضحك, فقال له:لماذا تضحك يا أبي؟قال:اضحك على ذلك الرجل الغبي, قال سيف:الذي ظلمته ؟,فغضب الملك قصي وقال:ويحك اهكذا تخاطب والدك؟قال سيف:أنا أسف يا أبي ولكن الحق يقال ,فقال الملك قصي: اسمعني جيدا يا سيف آما ان تبقى في هذا القصر وترضى بكل ما يحدث هنا, وآما ان تغرب عن وجهي وترحل إلى الأبد.
فقال سيف:حسنا يا أبي سوف ارحل,ولكن قبل أن ارحل يجب ان تعرف يا أبي ان من يعامل الناس بلطف يحبونه,وان من يعامل الناس ببطش ونزق يكرهونه.
أحب الناس يا أبي, فانك إذا مرضت لن تجد غيرهم يقفون إلى جانبك,واعطف على الفقراء فأنهم سيدعون لك بالمغفرة,فاستمع إلى نصيحتي يا أبي فلن تندم, والآن سوف ارحل يا أبي ولن أعود أبدا مهما كانت الظروف.
ثم ذهب إلى غرفته واخذ أغراضه من ملابس ونقود وخرج من القصر موجها نحو الشمال.
وبينما كان يمشي في الطريق أمطرت السماء واشتد البرد وازداد البرق والرعد , وهو يقاوم ذلك في ظلام ليل حالك,ليس له نهاية وكأنه محاط بأستار سوداء لا يرى منها شيء, ولا يسمع سوى عواء الذئاب ودوى البرق والرعد,ولا يشعر إلا بقرصه الجوع الملهبة وزمهرير الشتاء.
وبينما هو على هذه الحال إذ ظهر جماعة من قطاع الطرق فرأوه وعلموا انه الأمير سيف ومشوا خلفه, ثم انقضوا عليه فضربوه ضربا مبرحا, حتى فقد وعيه,ثم سرقوا ما معه من ملابس ونقود ,ثم أخذوه ورموه على الطريق الفرعي المؤدي إلى الغابة ثم فروا.
هدأت العاصفة ,وطلعت الشمس ,وطارت الطيور من أوكارها ,وغردت فوق أشجار الغابة,وكان يوجد في الطريق الفرعي كوخ صغير يسكن فيه حطاب مع ابنته الوحيدة,و تدعى شمس تبلغ من العمر عشرين عاما,كانت شمس جميلة جدا وعيناها سوداوان براقتان وشعرها طويل اسود مثل سواد الليل, كان والدها رجل كبير بسن, يخرج كل صباح كي يحطب ثم يذهب إلى سوق المدينة المجاورة ويبيعه في السوق,ثم يذهب ويشتري ما يحتاجه هو وابنته من طعام وشراب وكساء,ثم يعود إلى منزله.
وفي هذا الصباح استيقظ الحطاب هو وابنته,وتناولوا طعام الإفطار كالعادة, ثم اخذ أغراضه من أدوات العمل,و خرج وبينما هو يمشي في الطريق نحو الغابة كي يحطب وجد الأمير سيف ملقي على الأرض, فاخده إلى منزله ووضعه على الفراش,جاءت شمس وقالت لأبيها:من هذا الرجل يا أبي؟, قال: لقد وجدته مرمي على الطريق الفرعي فاخدته إلى هنا,ربما كان يمشي في الطريق واعترضه قطاع الطرق, فاعتني به جيدا, وعندما يستعيد وعيه سنعرف منه كل شيء, فقالت:حسنا يا أبي, خرج الحطاب كي يحطب ويبيع الحطب ويشتري كل ما يحتاجه هو وابنته.
همت شمس تعتني به جيدا,مرت الأيام وهي لا تزال تعتني به إلى ان استعاد وعيه.
وعندما أفاق واستعاد وعيه سال قائلا:من انتم؟قالت شمس:أنا شمس أعيش هنا مع أبي في هذا المنزل المتواضع,وأبي حطاب يخرج كل صباح يحطب ويبيع الحطب في سوق المدينة ثم يشتري لنا ما نحتاجه.
ولكن من تكون أنت؟ قال سيف:لا اعرف, قالت شمس:ماذا تقول هل أنت تمزح؟ قال:لا حقا أنا لا امزح,وحينئذ دخل الحطاب وقال:ماذا حدث؟فحكت له شمس كل ما جرى فقال الحطاب:لابد انه فقد ذاكرته.
فقالت شمس لسيف: انك تبدو كالملك لذلك سأسميك الملك الضليل, فضحك سيف وقال:ذلك اسم جميل.
ثم نهض سيف وتناول الطعام,وذهب مع الحطاب كي يعمل وعرفه أهل المنطقة باسم الملك الضليل,ومرت الأيام وهو على هذا الحال.
وأحب سيف شمس فبادر إلى خطبتها من والدها فوافق والدها ومرت الأيام.
وذات يوم بينما كان يحطب تدحرجت رجله في حفرة, فارتطم رأسه بجدع نخلة وأغمي عليه فاخده الحطاب وشمس إلى منزله.
وعندما أفاق من غيبوبته سال قائلا:أين أنا؟ومن انتم؟فحكت له شمس الحكاية كلها ثم تطرقت قائلة:فما حكايتك الحقيقة؟فحكي لها حكايته كلها عن حياته مع والده, وما فعله به,وان اسمه سيف,ثم قال:طالما انك خطيبتي فسوف أتزوجك واخدك إلى مملكتي,ثم ذهب إلى والدها وحكي له كل شيء فوافق على ذلك
وتزوج شمس ثم أخدها وذهب إلى مملكته,فوجد فيها فوضه فسال ماذا حدث؟ فقالوا له:ان الملك قصي مات وابنه سيف اختفى,ونحن لم نجد من يحكمنا,ولكن من أنت؟,-قالوا هكذا لأنهم لم يعرفونه فقد مرت أربع سنوات-قال سيف:أنا ملك من بلاد بعيده لقد اضليت طريقي واسمي الملك الضليل فما رأيكم ان أحكمكم أنا؟ فوافقوا,وتولى الأمير سيف هو وزوجته شمس الحكم,فكان اعدل الملوك الذين عرفتهم هذه المملكة فلم يقهر احد , ولم يرد مظلوم عن مظلمته ,ولم يرد فقير عن حاجته ,فأحبه الناس وعرفوه باسم الملك الضليل.