حلمه بممارسة مهنة الطب بدأ على مقاعد الدراسة، حين سأله المدرس: ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ فأجاب: طبيباً مثل عمي، أريد أن أداوي الفقراء والمحتاجين، وبدأ هذا الحلم يترسخ بجهود متواصلة سعياً لتحقيقه، إلى أن تمكن من دخول كلية الطب بجامعة دمشق عام 1961، وتخرج منها ليعمل بما يضمن له الحياة الكريمة ولا يرهق المرضى من الناحية المادية،
مبتدئاً بتقاضي أجر يقدر بـ 10 ليرات ثم 25 ليرة إلى أن وصل إلى الخمسين ليرة في الوقت الحالي.
الطبيب إحسان عز الدين (مواليد 1943) يقيم في بلدة جرمانا بريف دمشق، ورغم بلوغه سن الثامنة والستين من العمر ما زال يستيقظ في الساعة السابعة صباحاً للذهاب إلى عيادته واستقبال المرضى من مختلف الأعمار ومختلف الفئات الاجتماعية بكل همة ونشاط، ومن ثم يأخذ قسط من الراحة في منزله ليعود إليها في الخامسة مساء ويستمر في العمل حتى منتصف الليل، دون ملل مواظباً على هذا المشوار اليومي لأكثر من ثلاثين عاماً، تاركاً يوم الجمعة لتأدية واجباته الاجتماعية والأسرية.
عيادة الدكتور إحسان تغص بالمرضى القادمين من مختلف المناطق السورية، يردها المرضى لتعامله الطيب معهم حسب ما قالت إحدى المراجعات، وأجره الذي لا يتجاوز الخمسين ليرة في حين أن أطباء آخرون يصل أجرهم للألف ليرة دون أن يأخذوا بعين الاعتبار حالة بعض المرضى الفقراء.
فتقول المريضة "كل ما حولنا يزداد سعره ابتداء بسعر الخضار والفواكه مروراً بالمحروقات وانتهاء بأجور الأطباء، ولكن بفضل الله أخبرتني جارتي عن الدكتور إحسان وسمعته الطيبة، وبالفعل خلال مراجعتي له تأكدت أنه طبيب ممتاز وبنفس الوقت يراعي تراجع المستوى المادي لدى المرضى".
دخل الطبيب إحسان عز الدين كلية الطب عام 1961 في جامعة دمشق، وتخرج مؤدياً خدمة الريف في بلدة صحنايا، ومن ثم انتقل إلى جرمانا حيث استقر فيها منذ ما يقارب الثلاثين عاماً.
يقول الطبيب إحسان"عندما دخلت كلية الطب كان مخططي أن أقوم بعملي بكل استقامة وإخلاص، وكان هدفي الأول خدمة المحتاجين والفقراء الذين لم يكن في قراهم أي مستوصف أو طبيب أو حتى صيدلية كوني ابن ريف ولمست تلك المعاناة، الأمر الذي دفعني للعمل الخيري".
ولا يقتصر الجانب الإنساني على المعاملة الطيبة للمرضى بل أن الطبيب إحسان في كثير من الأحيان لا يتقاضى أجراً ممن لا تسمح ظروفهم المادية بدفع المال، كما أنه يقوم بوضع نقود مع الوصفات الطبية التي يصرفها عندما يلمس حاجة المريض لذلك.
يقول"المال بالنسبة لي وسيلة وليس غاية، لقضاء الحاجة لا للادخار، فكل ما يهمني هو أن أعيش وزوجتي وأولادي بكرامة ولا نحتاج أحداً وبنفس الوقت لا أسبب إرهاقاً للمرضى، ووضعت في البداية أجراً للمعاينة ويعادل عشر ليرات سورية ثم 25 ليرة ثم 50 ليرة، وذلك بسبب غلاء المعيشة ومصاريف العيادة والمواد الطبية وأجر الموظفات".
ولم يقتصر عمل الطبيب إحسان على العمل الخيري بممارسة مهنة الطب، فقد برزت إلى جانبه زوجته السيدة الهام نصر التي كللت مع رفيقاتها من المدرسات المتقاعدات جهود الطبيب الخيرية بإنشاء جمعية جرمانا الاجتماعية الخيرية التي تقوم بصرف رواتب لـ 92 أسرة فقيرة ضمن حدود جرمانا الإدارية .
تقول السيدة سهام زهر الدين وهي أمينة سر الجمعية "كنا حوالي 22 مدرسة متقاعدة، ولكي نقدم شيئاً مفيداً للوطن وللناس قررنا إنشاء هذه الجمعية الخيرية في عام 2003، وتم انتخاب الطبيب إحسان رئيساً لمجلس الإدارة، وأنا أعتبره بحد ذاته جمعية خيرية فجاءت هذه الجمعية لتكلل عمله، بمشاركتنا نحن المدرسات المتقاعدات، وها نحن نعمل من خلال نشاطاتنا المتنوعة لتقديم المعونة العينية والنقدية للفقراء والمحتاجين وكل ذلك بشكل تطوعي فعمل الخير لا يحتاج إلى مردود مادي".
وتثني زهر الدين على عمل الطبيب إحسان بالقول"إنه يساعد الفقراء وفي كثير من الأحيان يقوم بكتابة الوصفة الطبية ويضع النقود معها لمن لا يستطيع دفع ثمنها".
وتضيف ممازحة "قامت ابنتي بالتدرب في عيادة الطبيب إحسان، ورافقها ابني أكثر من مرة ليعود ويقول: الآن عرفت لماذا يبقى بنطال الدكتور مكوياً ومرتباً... لأنه يبقى واقفاً طوال النهار".
الطب من وجهة نظر الطبيب إحسان كغيره من المهن الإنسانية يتغير بتغير الظروف المادية والاجتماعية، فقديماً كان عدد الأطباء محدود والمنافسة أقل، وكان الناس ينظرون للطبيب على أنه لا يخطئ ولكن الآن بدخول المادة والمنافسة وزيادة الحاجات المتعددة دخلت بعض الشوائب للمهنة.
لم يحاول الطبيب إحسان إعطاء نصيحة للشباب إلا أنه قال "بإمكاني أن أدعوهم للاهتمام بالتحصيل العلمي أولا وبالممارسة القويمة، ولا يستعجلوا الربح والشهرة فهي تأتي تلقائياً نتيجة العمل النظيف، وأذكر دوماً بما قاله لي أستاذي عند تخرجي"لا تطمح من دنياك بأكثر من سترة المال والعيش بكرامة، ولكن لا تفرط بكرامتك ومنزلتك كطبيب".