أظهرت دراسة حديثة، وهي الأكبر من نوعها حتى الآن
لمناقشة فوائد إضافة حمض الفوليك إلى الغذاء، أجراها أطباء من جامعة واشنطن في
الولايات المتحدة الأميركية، أن إضافة حمض الفوليك (Folic acid) قد تسهم في خفض فرص
الإصابة بسرطانات معينة في الأطفال مثل: سرطان الكلى في الأطفال (Wilms› tumor)،
وبعض أنواع السرطانات في المخ. جدل طبي * والحقيقة أن إضافة حمض الفوليك من عدمها
تثير جدلا لا ينتهي في معظم الدول الغربية، نظرا لتضارب الآراء التي تؤكد أهميته في
الوقاية من عيوب الأمراض الخلقية العصبية في الأجنة. وبين الآراء التي ترى أن
الجرعات الزائدة من حمض الفوليك قد تسبب مخاطر صحية كبيرة، رأي يشير إلى أنها يمكن
أن تكون عاملا مساعدا في نمو بعض أنواع السرطانات، وذلك لأنه يساعد في تكوين الحامض
النووي المميز لخلايا الجسم (DNA)، ومن هنا كان دوره مؤثرا في نمو خلايا الجسم خاصة
في حالات الانقسام السريع للخلايا كما في حالات الحمل، وكذلك تكوين الجنين وأيضا
الحالات التي تظهر فيها أورام سرطانية، حيث إن خلايا السرطان تنقسم بسرعة كبيرة،
وهو الأمر الذي يجعل الأطباء في حيرة حقيقية حول حمض الفوليك، ولكل فريق سواء من
مؤيدي إعطائه أو الفريق الآخر الذي يرى خطورة طبية من الجرعات العالية مبرراته
الطبية القوية. ولذلك توجد بعض الدول التي تقوم بفرض إضافته إلى الطعام بالنسب
الطبية الدقيقة مثل الولايات المتحدة، وهناك دول لا تفرضه؛ إلا أن معظم السيدات
الحوامل في العالم، بما في ذلك الوطن العربي، يتناولن أقراص حمض الفوليك أثناء
الحمل بشكل أصبح روتينيا في السنوات الـ10 الأخيرة. أهمية حمض الفوليك * من المعروف
أن حمض الفوليك هو نوع من أنواع فيتامين «بي 9» وهو يذوب في الماء (بمعنى أنه يدخل
إلى الدم ويتخلص الجسم منه عن طريق البول) ولا يقوم الجسم بتخزين حمض الفوليك، لذلك
نحتاج إلى تناوله بشكل يومي سواء في الأطعمة الغنية به أو عن طريق الأدوية، لأنه
يلعب دورا كبيرا في الكثير من الوظائف الحيوية لأجهزة الجسم المختلفة، فهو يساعد في
تكوين كرات الدم الحمراء. ومن هنا تأتي أهمية دوره للسيدات الحوامل، خصوصا أنه
يساعد في حماية الجنين من أمراض القلب، وأيضا يلعب دورا بالغ الأهمية في حماية
الجنين من الخلل في تركيب الجهاز العصبي neural tube defects، وهو ما دفع إدارة
الغذاء والدواء الأميركية (F.D.A) منذ عام 1998 إلى فرض إضافة حمض الفوليك إلى
الأغذية بشكل إجباري في الولايات المتحدة لما له من تأثير لحماية الأجنة. وعلى
الرغم من أن حمض الفوليك لا يحمي من أمراض القلب بشكل مباشر؛ فإنه يلعب دورا في
تقليل «الهوموسيستاين» (Homocysteine) (وهو حمض أميني تزيد خطورة الإصابة بأمراض
القلب بزيادته) وبالتالي يساعد في الحماية من أمراض القلب بشكل غير مباشر، وأيضا
يساعد في الحماية من مرض ألزهايمر ويقوي الذاكرة ويحسن المزاج ويعمل على الوقاية من
الجلطات، ويساعد في تقليل آلام العضلات، ويعتقد أنه يلعب دورا أيضا في الوقاية من
مرض البهاق (مرض جلدي يتسم باختفاء صبغة الميلانين المميزة للون الجلد، وبالتالي
يصبح لون الجلد أبيض). حمض الفوليك والسرطان * علاقة حمض الفوليك بالسرطانات علاقة
محيرة، حيث إن هناك الكثير من الدراسات التي تشير إلى دوره في الحماية والوقاية من
بعض أنواع السرطانات مثل: سرطان القولون والمستقيم Colorectal cancer، وأيضا في
الوقاية من سرطان الثدي Breast Cancer. وأيضا يوجد الكثير من الدراسات التي تشير
إلى أنه يمكن أن يكون مسببا لتلك السرطانات. والحقيقة أن الأطباء خلصوا إلى أن حمض
الفوليك يمكن أن يكون عنصرا واقيا من السرطان إذا تم تناوله في جرعات صغيرة، خصوصا
إذا تم تناوله عبر الأطعمة الغنية به وليس كأقراص؛ ولكن على النقيض إذا تم تناوله
بجرعات كبيرة يمكن أن يكون واحدا من العوامل المسببة للسرطان، وحمض الفوليك يمكن أن
يقي من بعض أنواع السرطانات ويساعد في نمو أنواع أخرى. وأهم مصادر حمض الفوليك
الخضراوات، وبخاصة ذات الأوراق الخضراء مثل: الفجل والسبانخ وكذلك البقوليات مثل
البازلاء والذرة وفول الصويا والحمص والعدس والفاصوليا، وكذلك القرنبيط والفلفل
الأخضر، وأيضا المكسرات مثل: اللوز والجوز والفول السوداني والكاجو، والفواكه مثل:
البطيخ والموز والفراولة والأناناس والبرتقال. دور وقائي * الدراسة الجديدة التي
نشرت في مجلة «طب الأطفال»، التي رصدت تأثر سرطانات الأطفال قبل وبعد إضافة حمض
الفوليك، أشارت إلى أن مرض سرطان الكلى قد ازداد في الأطفال خلال الفترة من عام
1986 وحتى عام 1997 ثم أخذ في التراجع بعد ذلك، وهو التاريخ الذي بدأ فيه فرض إضافة
حمض الفوليك إلى الأغذية، بمعنى أن يضاف إلى الدقيق والخبز وغيرهما. وبالنسبة
لأورام المخ كان معدل حدوثها في ارتفاع منذ عام 1986 وحتى عام 1993 ثم أخذ في
التراجع بعد ذلك الحين، أي قبل عام 1998، وهو العام الذي تم فيه فرض إضافة حمض
الفوليك إلى الأغذية مما يتعارض مع نتيجة الدراسة؛ ولكن يتضح الأمر حينما نعرف أن
نسبة التراجع في الأورام تزامنت مع بداية التوصيات للسيدات الحوامل بتناول حمض
الفوليك بمقدار 400 ميكروغرام يوميا، وذلك في عام 1992، وهو ما يتوافق مع نتيجة
الدراسة من أهمية حمض الفوليك. وقد قام الباحثون بتجميع المعلومات منذ عام 1986
وحتى عام 2008 من المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة، وكذلك من المراكز
البحثية المعنية بأمراض السرطان بجميع أنواعه منذ عام 1973 من مختلف الولايات،
وشملت هذه الدراسة 8829 طفلا من عمر الولادة حتى 4 أعوام تم تشخيصهم جميعا بمرض
السرطان، وجاء تناقص سرطانات الكلى في الأطفال وكذلك أورام المخ، نتيجة لتحليل
البيانات وخصوصا تناقص مرض سرطان الكلى في الأطفال ويلمز (Wilms› tumor). وفي دراسة
سابقة قام بها أطباء من مستشفى جون هوبكنز في الولايات المتحدة، وهو من أكبر
مستشفيات الأطفال في العالم، التي نشرت في مجلة «الحساسية والمناعة الإكلينيكية»
(Journal of Allergy &Clinical Immunology)، وتم إجراؤها على 8000 شخصا من
البالغين بجانب الأطفال من عمر عامين، ظهر أن إعطاء حمض الفوليك يساعد على تقليل
حدة استجابة الجسم إلى مسببات الحساسية، وكذلك تقل أعراض الحساسية سواء الجلدية أو
حساسية الصدر وأعراض الصفير أو غيرها. وبطبيعة الحال يستلزم هذا الأمر الكثير من
الدراسات لرصد تأثير حمض الفوليك، وخصوصا أن الموضوع يتعلق بقرارات تفرضها الدول،
وإذا كانت هناك مخاوف من أن تؤدي إضافة حمض الفوليك إلى المساعدة في نشوء أنواع
معينة من السرطانات، فإن هذه الدراسة تثبت العكس وتؤكد أهمية إضافته.