تفريغ المحاضرة ليوم السبت 30 جماد أول 21 إبريل الآيات من
31 إلى 34 الحمد
لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ
الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ
الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ )
والصلاة والسلام على المبعوث
رحمةً للعالمين، القائل: ((خَيْرُكم مَن تَعلّم القرآنَ وعلَّمَه))، وعلى آله
وصحْبه الذين تعاهدوا القرآن الكريم، وتَلَوْه حقّ تلاوته كما سمعوه مِن فِيه -صلى
الله عليه وسلم-، وعملوا بما فيه، وساروا على هداه، فنالوا بذلك الأجر العظيم
والنعيم المقيم.
أما بعد وصلنا في الدرس الماضي الى قوله تعالى
:{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا
ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء
إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة31
أرادَ اللهُ تباركَ
وتعالى أنْ يُظهِر لهم فضْلَ آدمَ وذرِّيتِه وشرفَه, حتَّى لا يظنُّوا أنهم أفضلَ
مِنْ هذا الخليفةِ وأشرف فبين في هذه الآية تعيين الخليفة بأنّه آدم وتشريفُه
بفضيلة
العلم، التي هي من أعظم ما يَشرُف بها الإنسان، بعد بيان فضيلته
بالخِلافة في الأرض إظهاراً لتكريم الله ـ عز ّوجل ـ لبني آدم بالعلم،
وإلزاماً بالإيمان به ومعرفة حقِّه سبحانه, إذ العلم يبعث على الإيمان بالله
ومعرفته، والعلم يُورِثُ المعرفة.
انظروا وتأملُوا معيّ قال الله تبارك
وتعالى:
وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ إبراز اسمِ آدم في
مقام العلم يدلُّ على شرف وذو شأن، ما قال علَّمه هذا الخليفة وإنما قال: وَعَلَّمَ
آَدَمَ الْأَسْمَاءَ) فهذا فيه إبرازٌ لاسمه تشريفاً له، تنصيصاً
عليه.
مسألة :
اختلف العلماء في المراد في هذه الأسماء التي علمها الله آدم
:
فقيل : علمه أسماء الملائكة وذريته ، ورجح هذا ابن جرير الطبري رحمه الله
.
لأنه قال ( ثم عرضهم ) وهذه عبارة من يعقل .
وقيل : علمه أسماء كل شيء
ذواتها وصفاتها وأفعالها أسماء الملائكة وأسماء النبيين وأسماء ذرية آدم وأسماء
البحار والأشجار والأحجار والأواني .
قالَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: (حتى
القَصْعَةَ والقُصَيْعَهَ )؛ يعني اللفظَ المكبَّرَ والمصغَّرَ؛ أي علمَه الأسماءَ
كلَّها. واختار هذا القول ابن كثير رحمه الله . لعموم قوله تعالى ( وعلم آدم
الأسماء كلها ) .
ولحديث الشفاعة الطويل لما يأتون الناس إليه
( ... فيقولون : يا آدم أنت أبو البشـر ، وعلمك أسماء كل شيء ) .وهذا فيه دليل على فضل آدم عليه السلام ،
ولآدم فضائل :أنه أبو البشر - خلقه الله بيده
– علمه الله أسماء كل شيء – أن الله نفخ فيه من روحه – وأسجد له الملائكة .
فقد
جاء في حديث الشفاعة الطويل لما يأتون الناس إليه
( .....فيقولون
: يا آدم أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء
) ، وقال تعالى ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) .
وفي
قوله تعالى: (علّم آدم) فيه معانٍ ظاهرة في فضيلة آدم وجنسه البشريّ بالعلم
منها:أوّلا: التَّرقي من تشريف آدم بالعلم بعد ذكر الخلافة. وفضلِ
العلمِ وشرفِه، وفضلِ العلماءِ وشرفِهم وعلوِّ منزلَتِهم عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ, و
أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى لم يأمرْ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يستزيدَهُ
من شئٍ سوى العلمِ, فقال له
وَقُل رَّبِّ زِدْنِي
عِلْمًا) سورة طه 114
ثانيًا: الإشارة إلى أنّ العلم والمعرفة هو
المنوط للخلافة والعمدة فيه.
يعني الخلافة والإمامة في الدِّين
تستلزم العلم، وهذا الذّي يكون في الأنبياء والمرسلين يبعثهم الله ويُرسِلهم
بالعلم، فلا تقوم الخلافة والاستخلاف إلاّ بالعلم.
ثالثاً: أنّ الله خصَّه
وشرّفه بالعلم دون الملائكة المقرّبين عنده .
رابعاً: أنّ الله جعل العِلم أوّل
وأعظم خصائصه.
خامساً: تعليمُه إيّاه، فلم يوُكِل ذلك لأحد، لم يُوكل تعليمه
للملائكة وهذا شرفٌ عظيم.
سادساً: فيه أيضاً تحدِّي الملائكة بأن يأتوا بما
علَّمه إياه لإبراز فضله عليهم.
سابعاً: وفيه تعليمه الأسماء كُلّها، فلم
يُعلِّمه جزءاً منها.
ثامناً: وفيه شرف بني آدم بهذا العلم، وأنّه أعلى وصف
يتصِّف به الإنسان العلم بالله عزّوجل، والعلم الذّي يُقرِّب إلى الله سبحانه
وتعالى, وأنّه هو السِّر الإلهي العظيم الذّي أودعه هذا الكائن البشري وهو يتقلّد
الخلافة.
ثم عرضَهم على الملائكةِ,
عرض ماذا؟
عرض المسميات وليس الأسماء. ( أي الأشياء التي علم آدم أسماءها ).
فَقَالَ أَنبِئُونِي- وفي هذا تعجيزٌ من الله لهم-
بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَأنبئوني بأسماء من
عرضته عليكم أيتها الملائكة القائلون
( أتجعل فيها من يفسد فيها
ويسفك الدماء ) فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، إن كنتم صادقين في قولكم أني إن
جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني ذريته ، وأفسدوا فيها ، وسفكوا الدماء ، وإن
جُعلتم فيها أطعتموني ، واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس ، فإنكم إن كنتم لا
تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم عليكم من خلقي وهم مخلوقون موجودون ترونهم
وتعاينونهم ، وعلمه غيركم بتعليمي إياه ، فلا تسألوني ما ليس لكم به علم ، فإني
أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي .
قَالُواْ
سُبْحَانَكَ....}
تنَزَّهْتَ وتعالَيْتَ ياربِ سُبْحَانَكَ
لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا. كيف لنا أن نعرف ماهية هذا وهذا وهذا,
وأنتَ ما علمتنا إياها؟! سبحانَك لا علمَ لنا إلا ماعلمتَنا.
وهذا الاستفتاح
هو سُنَّةُ المرسلين وهو أدبُ التَّائبين الصَّادقين، وهو أدبٌ ينبغي أن يتمثّله
الإنسان في اعتذاره وتوبته لِرَّبه. قال موسى في توبته:
(سبحانك
تُبتُ إليك) وقال ذي النّون:
( سبحانك إنّي كنُتُ من
الظّالمين)، فهذا أدبٌ ينبغي أن يكون في حال الصادقين التّائبين
المستغفرين.
(لا علمَ لنا إلا
ماعلمتَنا)
وهذا فيه أدبٌ آخر وهو أنّهم نَفُوا العلم
عن أنفسِهم، وبيّنوا أنّهم لا علم لهم إلاّ من اللّه ـ عز ّوجل ـ .
وهذا يُبيّن
أنّه لا علمَ للإنسان إلا بما علّمه الله سبحانه وتعالى.
لا يعلمُ الغيبَ
الملائكةُ،
لمَّا قالَ جبريلُ للنبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ:
متى الساعةُ؟ قالَ: ما المسؤولُ عنها بأعلمَ من السائلِ. فأنا وأنتَ في علمِ ذلك
سواءٌ؛ لأنه لا يعلمُ متى الساعةُ إلا اللهُ. ولما سئل النبي : أي البقاع خير ؟
فقال : لا أدري حتى أسأل جبريل ، فسأل جبريل : فقال : لا أدري . قال
تعالى
:{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
}الإسراء36قالَ قتادةُ: لاتقلْ سمعتُ وأنتَ لم تسمعْ, ولا تقلْ رأيتُ
وأنتَ لم تَرَ, ولا تقل علمتُ وأنتَ لا تعلمُ.
قوله تعالى (قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ
لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا )
فيه أدب من الآداب ، وهو أن
الإنسان إذا سئل عن شيء لا يعلمه : أن يقول : الله أعلم .
قال القرطبي :
الواجب على من سئل عن علم أن يقول إن لم يعلم : الله أعلم ، ولا أدري ، اقتداء
بالملائكة والنبيين والفضلاء من العلماء .
قال سفيان الثوري عن الأعمش
ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق قال : أتينا عبد الله بن مسعود قال : يا أيها الناس
من علم شيئا فليقل به ومن لا يعلم فليقل : الله أعلم فإن من العلم أن يقول الرجل
لما لا يعلم : الله أعلم فإن الله قال لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - :
( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ) أخرجاه من حديث
الأعمش ، ص من الآية 86 ؛يعني لاتتكلفْ ما لاتعلمُ.
الإمامُ مالكٌ من
مناقِبهِ و مآثرِه أنَّه سُئلَ عن ثمانٍ وأربعين مسألةً فقال في اثنتين وثلاثين لا
أعلمُ. ما نسبةُ ذلك؟ الثُّلثُانِ. وكانَ الرجلُ يأتيه من بغدادَ أو من اليمنِ
راكباً, يقفُ على دابتِه يسألُه وهو راكبٌ لا ينزلُ؛ يعني جاءَ خصِّيصا من أجلِ
السؤالِ, يقولُ أرسلني قومي إليك أسألُكَ . يسمعُ ثمَّ يقولُ: لا أدري. يقولُ
يامالكُ ماذا أقولُ لقومي وقد بعثوني إليك؟ جئتُك من بغداد إلى المدينة, شهرٌ في
المجئ, وشهرٌ في العودة, ثم أذهب لأقول لهم: مالكٌ لا يدري؟ فيقول: نعم قل لهم
مالكٌ لا يدري.
وقيل: ( لاأدري) نصفُ العلمِ.
وكان الإمامَ الشافعيَّ
كانَ إذا سُئلَ سكَتَ, وفكَّرَ. يسألونه بم تفكرُ ياإمام؟ يقول: أتدري ماذا يريدُ
هؤلاءِ؟ يريدونَ أن يتخذوا ظهورَنا جسراً إلى جهنمَ .
فعلى المؤمن أن لايكن
مطيةً للسائلين يركبونَ ظهرَه إلى جهنمَ عنده علمٌ, تكلَّم به. ليس عنده علمٌ،قال:
لا أعلمُ.
ومامعنى العلم؟ يعنى: عندما
نسألُ عنْ مسألةٍ يكون عندنا تصورٌ لهذه المسألةِ بأدلتِها التفصيليةِ, وآراءِ
العلماءِ فيها, والراجح فيها, وتكونُ حاضرةً أمامنا واضحة كوضوح الشمسُ, وكأنَّ
الكتابَ مفتوحٌ أمامَنا. إذا كانت كذلك فنحن فعلاً عندَنا علمُ
المسألةِ.
ليست كذلك, نسكتْ ونقلْ: اللهُ
أعلم.فالغيبُ لا يعلمُه مَلَكٌ مقربٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ،
ولا وليٌّ صالحُ، حتى الجنُّ أنفسُهم الذين فُتِنَ بهم الناسُ وظنُّوا أنهم يعلمون
الغيبَ قالوا بعدمَا سمِعوا النبيَّ عليه الصلاةُ والسلامُ يقرأُ القرآنَ واتَّبعوه
وأسلَموا، قالُوا:
(وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن
فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) سورة الجن 10
ولما سخَّرَهم اللهُ لسليمانَ بنِ داوودَ عليهما السلامُ
(وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن
يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ
لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ
رَّاسِيَاتٍ...(13)) سورة سبأ 12-13 و
كانَ سليمانُ عليه السلامُ جالساً
على كرسيِّه متكئاً على العصا, فماتَ وهو كذلك, والشياطينُ تروح وتجيء, تعملُ لا
تكلُّ ولا تملُّ مِنْ مَخَافةِ سليمانَ. تهابُه وتخشاه وهو ميِّتٌ وهم لا يعلمون
أنَّه ميِّتٌ, ويعملون ذهاباً وإياباً...
(فَلَمَّا قَضَيْنَا
عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ
تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ...)؛ جاءتْ الأَرَضَةُ, سوسَةُ الخشبِ, وأكلتْ العصا
من أسفلَ, فقصرتْ العصا, فوقعَ سليمان عليه السَّلامُ
.(..فَلَمَّا
خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا
فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) سورة سبأ 14
ماذا تفهم من هذا ؟
الملائكةُ لم تستحِ أن تقولَ لما لاتعلمُ, لانعلمُ, إذاً ينبغي علينا أن نكون كذلك؛
لا نستحِ أن نقولَ لما لا نعلمُ لا أعلمُ أو اللهُ أعلمُ .
الملائكة
{قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا
إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }البقرة32
( قالوا سبحانك)وهذا معنىً دالٌ على شَرف الملائكة،
وحُسنِ وكمال أدبهم وكمال طمئنينِيَّتهم ويقينهم بفضل هذا الخليفة وشرفه بأنّهم
استسلموا وأقروا واعترفوا بعلم الله وحكمته ، وقصورهم عن معرفة أدنى شيء ،
واعترافهم بفضل الله عليهم ، وتعليمه إياهم ما لا يعلمون . لو لم يكن ذلك استسلام
منهم لجادَلوا، فما كان منهم عليهم السّلام وهم البررة المطيعون لِرَبِّهم إلاّ أن
قالوا سُبحانك لا علم لنا. تبرئةِ من أنْ يكونَ لهم عِلمٌ من غيرِ طريقِه سبحانَه
وتعالى. منْ أينَ نعلمُ أسماءَ هذه الأشياءِ وأنتَ لم تعَلِّمْنَاها؟!
(لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا).(إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ)؛ العليمُ: الذي أحاطَ بكلِّ شيءٍ علماً فلا
تخفى عليه خافيةٌ في الأرضِ ولا في السماءِ يعلم السر وأخفى.
الحكيمُ : بمعنى
الحاكمِ القاضي العدلِ.وقيل الحكيمُ: الذي يُحْكِمُ الشيءَ ويُتقنُه.
واللهُ
سبحانَه وتعالى هو الحكمُ العدلُ، وهو الذي أحسنَ كلَّ شئٍ خَلَقه، وأتقنَه سبحانَه
وتعالى.
( الْحَكِيمُ ) : قال ابن جرير : هو الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا
زلل ، وقال ابن كثير : الحكيم في أفعاله وأقواله فيضع الأشياء في محالها بحكمته
وعدله .
( الْحَكِيمُ ) اسم من أسماء الله متضمن لصفة الحكمة البالغة ،
فأوامره وأحكامه وأفعاله كلها لحكمة .
فهو سبحانه حكيم في صنعه ، وحكيم في
شرعه ، فجميع مصنوعاته كلها محكمة ، قال تعالى
(الَّذِي خَلَقَ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ
فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ
يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ ) وأما في الشرع
فيقول سبحانه
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ
عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) فلا يمكن أن
يوجد تناقض في القرآن أبداً .
قال بعض العلماء : الحكمة تكون
في صورة الشيء : أي أن خلق الإنسان على هذه الصورة لحكمة ،
وكذلك خلق الحيوان على هذه الصورة لحكمة .
وتكون في غايته
: أي : أن الغاية من خلق الإنسان لحكمة ، وكذلك الحيوانات ، وكذلك جميع
المخلوقات ، كما قال تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ) .
الفوائد
:1- فضل آدم عليه الصلاة والسلام .
2- أن الإنسان يشرف
بالعلم .
3- فضل العلم ، ووجه ذلك : أنه سبحانه لما أراد إظهار تفضيل آدم
وتمييزه وفضله ميزه عليهم بالعلم ، فعلمه الأسماء كلها ، فدل على أن العلم أشرف ما
في الإنسان ، وأن فضله وشرفه إنما هو بالعلم
4- فيه أن كل نعمة وفضل في الإنسان
فهي من الله ، فيجب الاعتراف بذلك والتواضع .
5- الواجب على من سئل عن علم أن
يقول إن لم يعلم : الله أعلم ، ولا أدري .
6- وجوب تنزيه الله عن كل نقص .
7-
إثبات اسمين من أسماء الله وهما : العليم ، والحكيم .
8- ويتفرع على ذلك عدم
الاعتراض على أوامر الله وحدوده ، لأن كل شيء يفعله لحكمه .
9- عموم علم الله
لكل شيء .
10- وجوب الخوف من الله ومراقبته ، لأنه سبحانه لا يخفى عليه شيء
.
( قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ
بِأَسْمَائِهِمْ ) فلمَّا أظْهروا عجزَهم وضعفَهم وجهلَهم
بهذه الأسماءِ, وافتقارَهم إلى اللهِ تباركَ وتعالى,
(قَالَ يَا
آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ) أي أسماء المسميات التي عرضها الله على
الملائكة فعجزوا عنها .
{قَالَ يَـاء ادَمُ * ء ادَمَ أَنبِئْهُم
بِأَسْمَائِهِمْ }
: نادى آدم باسمه العلم، وهي عادة الله مع
أنبيائه، قال تعالى :
{ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا
}{ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ
}{ يٰإِبْرٰهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا
}{ يٰمُوسَى ٰ إِنّى أَنَا ٱللَّهُ }{ ُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ }
،
ونادى محمداً نبينا صلى الله عليه وسلم وعلى سائر الأنبياء بالوصف
الشريف من الإرسال والإنباء فقال:
{ يا أيها ٱلرَّسُولَ }{
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِى }.فانظر تفاوت ما بين هذا النداء وذاك النداء
.
والضمير في أنبئهم عائد إلى
الملائكة ، وفي(
بأسمائهم )عائد على المعروضين .
يا آدمُ
أخبِرْهُم... أعْلِمْهم بأسمائِهم، فقالَ آدم: هذا كَذا، وهذا كَذا، وهذا كَذا،
وقالَ بعضُ المفسرينَ: قال لجبريلَ أنت جبريلُ، ولميكائيلَ أنت ميكائيلُ،
ولإسرافيلَ أنت إسرافيلُ...
( فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ
بِأَسْمَائِهِمْ ) تبين للملائكة فضل آدم عليهم .
( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي
أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )
أي : ألم
أتقدم إليكم أني أعلم ما غاب في السموات والأرض عنكم .
وهذا معنى قوله: ( إِنَّ
اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)وفي هذا معنىً لطيف ذكره بعضُ
المُفَسِّرين في قوله:
( إنّ الله يعلمُ غيب السَّموات
والأرض) وهو الغيب العام ومنه الغيب المُتَّعلق بآدم، وما سيكونُ من
شأنه مع إبليس في الجنّة، وما سيكونُ بعده من تكليف، والبعث، والجزاء، والجنّة،
والنّار، وعِلمِه بالملائكة وما يكونُ من شأنهم ممّا فيه قيامٌ بما يأمرهم الله ـ
عز ّوجل ـ بما يُحققّ لآدم وذُريّته الخلافة وممّا يكون من جبريل ـ عليه السَّلام ـ
من حمل أمانة الرسالة وتبليغها وأمانة الوحي، وما يكون من مَلَك الموت وما يكونُ من
شأن مَلَك الجِبال وغير ذلك .
( وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا
كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ )
اختلف العلماء ما الذي
أبدوه وما الذي كتموه .
فقيل : الذي أبدوه قولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها
ويسفك الدماء ) والذي كتموه : ما أسر إبليس في نفسه من الكبر واختار هذا ابن جرير
.
وقيل : الذي أبدوه قولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) ، والذي
كتموه هو قولهم : لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم .
وقيل كتموا في
أنفسِهم أنَّ اللهَ لا يخلقُ خَلْقاً أفضلَ منِّا.
قوله تعالى (وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ
وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) فيه عموم علم الله تبارك
وتعالى وأنه يعلم السر والعلن ، والظاهر والخفي .
كما قال تعالى
(عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) وقال تعالى
(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى )
.
(وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ
تَكْتُمُونَ)ما معنى وما كُنتُم تكتمون؟ هل كَتَم الملائكة
شيئاً عن ربّهم؟!
لم يكتموا، ولذلك هنا فيه إشارة إلى أنّ الله يعلم فيما لو
كنتم تكتمون شيئا فإنّ الله يعلمه, في هذا إشارة للخلق بأنّهم يعلمون أنّ الله
مُطَّلع على ما في نفوسهم ، وفيه إشارة ولطيفة متعلّقة بقصّة آدم وهو معرفته سبحانه
وتعالى وعلمه بما يكتمه إبليس حين رأى خلق آدم وأنَّه لا يَتَمَالك لأنّه أجوف، ثمّ
قال للملائكة الذِّين معه حين رأوا خَلقه: أرأيتم إن فُضِّلَ هذا عليكم وأُمرتم
بطاعته، ما تصنعون؟!
قالوا: نُطيع الله, قال إبليس في نفسه قال: والله لئن
سُلّطتُ عليه لأُهلِكنَّه، ولئن سُلِّطَ عليَّ لأعصيَنَّه, هذا ممّا في كان قرارة
إبليس حين علم بخلق آدم،
فقال الله: (وأعلم ما تُبدون وما كُنتم تكتمون) لأنّ
إبليس لم يُعلِن الاعتراض إلاّ حين أُمِر بالسُّجود بعد ذلك.
ولذلك قال
الله عزّ وجل بعد ذلك:
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ
لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ
الْكَافِرِينَ (10)إلى آخر الآيات.أقول قولي
هذا واستغفر الله لي ولكم اللهم لك الحمد بما
أنعمت علينا به وأوليتاللهم ما كان من توفيق فلك
الحمد عليه أنت وحدكوما كان من خطأ فأسأله
العفوفالحمد للهاللهم
ألهمنا رشدنا ووفقنا لما تحب وترضى سبحانك اللهم
وبحمدك نشهد أن لااله الا أنت نستفغرك ونتوب اليك