دخلت مجالات أبحاث العلماء الألمان في مجال اكتشاف دواء فعال لمرض باركنسون أو " الشلل الرعاش " منعطفاً ايجابياً جديداً عندما تم بشكل قاطع تحديد البروتين المسؤول عن ذلك في الخلايا العصبية في الدماغ – انه بروتين " الالفا سينوكلين " Alpha-Synuclein ، والذي اكتشفه العلماء في معهد National Institutes of Health في أميركا في عام 1997 ، وتبدأ أعراض المرض في الظهور عندما يبدأ تركيب بروتين السينوكلين الكيميائي في التحول لسبب غير واضح وغير مفهوم، وبذلك يصبح غير فعال لاداء وظائفه التي لازالت غير معروفة للعلماء على وجه الدقة حتى الان، وعند ذلك يحدث ارتباك في الخلية العصبية - ومن ثم يحدث تجمع للسينوكلين على نحو مكثف في وسط الخلية العصبية مما يؤدي الى فقدان الخلية وظائفها وبالتحديد في افراز مادة الدوبامين المسؤولة عن نقل الاشارات العصبية والتي يرجع لها الفضل في خلق التوافق الحركي عند الانسان.
ويبدأ ظهور المرض على شكل هزات متفاوتة الشدة من مريض الى اخر وتكون في الزراع او الساق او حتى الوجه وعدم اتزان في الوقوف او المشي مع بطئ الحركة بشكل عام وحدوث تصلب في الاطراف وصعوبة في البلع.
وفي دراسة ظهرت في عام 2008 تم تحديد الجين المسؤول عن بروتين السينوكلين، والذي يحمل الشفرة الخاصة به وتم تحديدها علي النحو التالي ِِ A53T,A30P,E46K وهو الامر الذي سيتيح للعلماء استنباط خلايا جزعية يمكن ان تساهم بشكل فعال في ايجاد حل لمرضي الشلل الرعاش. أبحاث المانية جديدةفي معهد ابحاث الامراض العصبية " ZNP " التابع لجامعة ميونيخ.. يكثف العلماء ابحاثهم في الوقت الحالي على السينوكلين، ويبدو انهم على اعتاب تحقيق ثورة في هذا المجال فقد اكتشفوا ان عنصر الحديد في بروتين السينوكلين المتحول الي الشكل الغير طبيعي اكبر بكثير من الموجود في الشكل الطبيعي، وهو الامر الذي شجع العلماء في جامعة ميونيخ الى تركيز الابحاث في هذا الاتجاه ، ففي التجارب المعلمية تمت اضافة نسب معينة من الحديد الثلاثي الي السينوكلين وتم فحصها في جهاز " FCS" الذي يستطيع بكل دقة تحديد تجمعات البروتين في الخلايا وفي حالة السينوكلين وجد تجمع فعلي وكثيف لهذا البروتين في الخلايا التي اجريت عليها التجارب، وهو ما يطرح سؤالا هاما حول علاقة الحديد بالسينوكلين ؟
وعن ما اذا كان هو المسؤول عن تغير تركيبه الكيميائي ام لا ؟ لذلك تتواصل الابحاث في هذا الاطار بفريق عمل يتراسه البروفوسير "هانز كريتشما". في المانيا وحدها يعاني من مرض باركنسون او الشلل الرعاش ما بين 300,000 الف الي 400,000 الف شخص، وفي أميركا يصل العدد الي عدة ملايين اما في العالم العربي فلا يعرف عدد المصابين به علي وجه الدقة. والمرض بصفة عامة يوجد في النساء اكثر من الرجال بنسبة 3 الى 2 ، وهو يزداد خطورة بتقدم العمر خاصة بعد الخمسين ، ويلاحظ المريض ان رجفة منتظمة تبدأ في اليدين والأصابع ثم تمتد لتشمل القدمين والرأس وتزداد بازدياد التوتر والقلق ويتبعها صعوبة في الكتابة وفي الأكل وكل ما تستخدمه الأطراف في الحياة اليومية، ومع تفاقم حالة المريض مع المرض فانه يصبح جامد الملامح قليل الحركة معدوم الانفعال تبقي عيناه مفتوحتان ولا ترمشان الا في النادر القليل ثم يجد صعوبة في التحدث وقد يسيل اللعاب من فمه أثناء النوم وبعد ذلك يأخذ جسمه وضعا متصلبا يتميز بانحناء الظهر وانثناء المرفقين والركبتين جزئيا.
والمعروف أن هناك الكثير من مشاهير العالم الذين أصيبوا بهذا المرض نذكر منهم البابا يوحنا الثاني وماو تسي تونج وهاري ترومان ومحمد علي كلاي وغيرهم.
طرق العلاج الحالى منذ أن اكتشف المرض علي يد الطبيب البريطاني جيمس باركنسون في سنة 1817 ومحاولة الوصول الى علاج فعال ومؤثر لاتتوقف ، وتبدو في الوقت الحالي الطريقة الفعالة هي العملية الجراحية ، والتي تؤدي بدورها الى تحسن في الرعشة وفي المشي وبطئ الحركة، وهي طريقة يتم فيها زرع أقطاب تتصل بمنظم كهربي تستطيع الاتصال بالخلايا العصبية ، وارسال نبضات كهربائية يتحكم فيها الأطباء وتقوم بتحفيز الخلايا العصبية للقيام بدورها .
وفي جامعة كولونيا يعمل العلماء أيضا على تطوير "منظم للمخ" يمكنه من تصحيح مسار الخلايا العصبية لمرضى الباركنسون ومن ثم تحفيزها علي القيام بعملها مرة أخرى بشكل عادي وتشير التقارير الطبية المهتمة بهذا الشأن الى أن عملية زرع هذا المنظم تتم في حوالي 30 مستشفي ويتم زراعتة لحوالي 400 مريض سنويا وطبقا للاحصائيات الطبية فان حوالي 35 ألف مريض حول العالم بمرض الباركنسون قد تم زراعة هذا المنظم له.
وقد يتساءل البعض وهل للعقاقير الطبية دور في هذا المرض؟ بالطبع لا يمكن اغفال دور العقاقير هنا فهي بشكل أو بآخر تقوم بتعويض مادة الدوبامين في الدماغ التي تساعد نسبيا في تحسين الحركة والمشي ولكن لا تستجيب كل حالات المرضي الى العقار بانتظام لذلك يتم اجراء العمليات الجراحية لهذا الفريق من المرضي الذين يستعصي عليهم فيه العلاج بالعقاقير ، لكن خطورة هذا النوع من العمليات الجراحية قد يؤدي الي التهابات في المخ أو الى نزيف أو شلل أو الي غيره من آثار جانبية بعد العملية كالاكتئاب مثلا.
ولأن هذا المرض يلازم المريض لفترة طويلة فان من المهم الانتظام في التمارين الرياضية وفي العلاج الطبيعي لأنها أحد أهم العوامل التي تساعد المريض علي التكيف مع وضع المرض وعدم الاستسلام له .