الرعشة والتيبس وبطء الحركة وتثاقلها أهم أعراضه تعود تسمية مرض باركنسون إلى مكتشفه الطبيب البريطاني جيمس باركنسون الذي وصف المرض أول مرة عام 1817 | |
لاحظ الدكتور باركنسون أن هناك حالة عصبية غريبة تنتاب بعض مرضاه،
تتميز بتخشب الأطراف وبطء الحركة مع رجفة لاإرادية يطلق عليها الرعاش،
وبفضل جهوده وأبحاثه في متابعة المرض، سمى المرض باسمه. وبعد ذلك بمائة
وخمسين عاما، اكتشف الدكتور هورنيكوز أول علاج لهذا المرض، بعد أن لاحظ
انعدام مادة الدوبامين تقريبا في أدمغة المتوفين بداء باركنسون. وعلى ضوء
هذا الاكتشاف قام بمحاولات لحقن تلك المادة في أدمغة المرضى، لكنها باءت
بالفشل
سبب مجهول
* ومن بعده قام الباحث كورتزيار بتطوير البحث على هذه المادة، وتم
اكتشاف العقار المعروف بـ«إل-دوبا» L-DUPA الذي حقق في البداية نتائج
ايجابية وسريعة، ولكن ظهرت لاحقا آثاره الجانبية التي كانت أسوأ من المرض
نفسه، حيث انتهى الأمر ببعض المرضى بتجمد عضلاتهم بصورة كاملة ونهائية.
يعد داء باركنسون حالياً واحداً من أكثر الأمراض العصبية انتشاراً، حيث
يقدر أن نسبة 3% من السكان فوق عمر الـ60 عاما، مصابون بهذا المرض، ولا
توجد إحصاءات دقيقة متوفرة عن هذا المرض في مجتمعنا العربي.
مع أن السبب الحقيقي لداء باركنسون لا يزال غير معروف تماماً إلا أن
التجارب والأبحاث مستمرة للكشف عن هذا قريبا. من الواضح حتى الآن أن هذا
الداء في الأغلب ليس وراثياً، لكن يعتقد بأن عدة عوامل بيئية قد تزيد من
نسبة حدوث المرض، على سبيل المثال الأشخاص الذين يتعرضون للسموم والمبيدات
أو إصابات الرأس المتكررة.
ظهور أعراض المرض
* ينشأ مرض باركنسون عن موت الخلية العصبية ونفاد الناقل العصبي
الدوبامين في منطقة صغيرة في المخ تسمى المادة السوداء Substantia Nigra
وهي مادة ضرورية للحركة السلسة الطبيعية. وفي الوقت الذي تبدأ فيه أعراض
المرض بالظهور، يكون نصف عدد الخلايا المنتجة للدوبامين على الأقل قد مات.
وكلما ماتت المزيد من الخلايا، كلما ساءت الأعراض.
ويصيب داء باركنسون الرجال أكثر من النساء بنسبة 2:3. وعادة ما تبدأ
أعراض المرض بالظهور في العقد السادس من العمر وغالباً ما تكون بسيطة في
البداية ثم تتطور تدريجياً على مدار السنين، ومن الممكن أن يحصل عند صغار
السن أيضا، أي قبل سن الأربعين بنسبة 5-10%. ويوجد في أميركا أكثر من
مليون شخص مصاب بهذا المرض، ونسبة هذا المرض تزداد مع ازدياد متوسط العمر.
ومن أشهر الناس الذين أصيبوا به.. هتلر، هاري ترومان ومحمد على كلاي
ورونالد ريغان وغيرهم.
رعشة خفيفة
* تتمثل أول أعراض المرض، في الخمول وفتور الهمة والرعشة أو السقوط
المتكرر دون سبب. ومع تقدم المرض تبدأ أعراض المرض الثلاثية التي وصفها
الدكتور باركنسون بالشلل الرعاشShaking palsy وهو وصف دقيق للأعراض
الكلاسيكية لهذا المرض، وهي الرعشة، التيبس، وبطء الحركة وتثاقلها. وتبدأ
أول الأعراض الكلاسيكية كرعشة خفيفة عند الكتابة، فتظهر الخطابات مهتزة
والكلمات أصغر حجما قرب نهاية الجملة أو الفقرة. وفي ما بعد تصبح الرعشة
أكثر وضوحا، فتظهر على اليد أو الذراع أو الساق في وضع السكون.
أما تيبس العضلات فهو عادة أكثر وضوحا للطبيب مما يبدو للمريض، وينشأ
التيبس لعدم قدرة العضلة على الاسترخاء كرد فعل مقابل للعضلات المنقبضة،
عند ثني الطبيب ليد المريض. وقد يسبب هذا التوتر ألما في الظهر والعنق
والأكتاف والصدغين أو الصدر. ويعمل تثاقل وبطء الحركة على إبطاء الخطوة
أثناء السير وتناول الطعام ويجعل الوجه خاليا أو متجمد التعابير، أو كما
يطلق عليه الوجه القناعMask Face، لذا قد يبدو المصابون بالمرض أحيانا
كشخصيات عنيفة أو غير متسمين بالبشاشة لأنهم لا يبتسمون أو يظهرون الكثير
من العاطفة. ويعود هذا لأن عضلات وجوههم لا تسمح لهم بذلك. وفي الحقيقة
أنهم لا يختلفون عن الناس في فهم الدعابة والمشاعر العاطفية، بل قد يكون
المريض منهم دمه خفيفا وظريفا، لكنهم ببساطة لا يستطيعون إظهار ذلك.
أعراض أخرى
* علاوة على ذلك، قد تظهر أعراض أخرى على المريض قد تصيب عدة أجزاء من الجسم تظهر تدريجيا، منها:
- تأثير الباركنسون على السير: بسبب تأثر العضلات، تصبح طريقة السير
مصحوبة بانحناءة محدودة للأمام مع خطوات قصيرة غير منتظمة، مع فقدان
التوازن وذلك لانعدام القدرة لديهم على الحركة السريعة لتوفيق وتصحيح وضع
الجسم.
- باركنسون والكلام: قد يفقد كلام المريض انتظامه وقدرته على تغيير
نبرة الصوت، ويصبح الصوت تدريجيا ناعما وذا وتيرة واحدة أو نغمة واحدة لا
تتغير. وينتج ذلك بسبب صلابة وتيبس عضلات الصدر، مما يجعلها غير قادرة على
دفع الهواء للخارج.
- فقدان القدرة الذهنية: أو ما يعرف بالعته، وفيه فقدان مطرد للذاكرة
والقدرة الذهنية مما ينعكس على القدرة على الأداء الوظيفي، ويحدث لدى 15%
إلى 20% من المصابين بالمرض.
- مشاكل العين: يؤثر نفاد الدوبامين في العضلات كافة ومنها عضلات
العين، فتقل حركات العين، وبالتالي يؤدي نقص حركة فتح وإغماض العين إلى
إصابتها بالجفاف أو التهاب الملتحمة.
- البلع ومشاكله: يصبح البلع بطيئاً، فيتراكم اللعاب في الفم مما يؤدي
إلى سيلان اللعاب على جانبي الفم، ويزداد خطر «الشرقة» عند تناول الطعام.
- الإخراج: لتباطؤ حركة عضلات الأمعاء، يصبح المصابون بالمرض أكثر عرضة لحدوث البواسير والإمساك.
- الإحساس: يعاني بعض المصابين من أحاسيس البرد والحرارة التي تسبب لهم الضيق والتي يشعرون بها في بعض وليس كل مناطق الجسم.
- اضطرابات النوم: تصيب مشاكل النوم حوالي 70% من المصابين بالمرض.
تشخيص المرض
* بما أن داء باركنسون يتطور ببطء، فقد يحتاج المريض إلى بعض الوقت قبل
تأكيد التشخيص، هذا بالاستناد إلى التاريخ الطبي والفحص الاكلينكي. وقد
تلزم مراقبة طويلة الأمد للنشاط العضلي للتوصل إلى التشخيص النهائي.
كما يجب إجراء فحوص للدم وللمخ لاستبعاد الأمراض الأخرى التي تتشابه في
أعراضها مع المرض، وللتأكد اذا ما كانت الأعراض ناتجة عن وجود سكتة دماغية
أو ورم في المخ.
كما يجب معرفة جميع العقاقير الدوائية التي يستخدمها المريض لعلاج
أمراض أخرى، حيث ان بعض العقاقير الطبية قد تؤدي إلى الإصابة بالمرض.
العلاج
* في منتصف القرن العشرين كانت العمليات الجراحية هي السبيل الوحيد
لمساعدة المصابين بهذا المرض، وكانت تجرى لحالات الرعاش المتقدمة مع فرص
محدودة للنجاح، لكن اكتشاف عقار إلـ – دوباL-Dopa كعلاج تعويضي في أواخر
الستينات أدى إلى ثورة نوعية في العلاج الدوائي لهؤلاء المرضى مع اختفاء
شبه تام للأعراض السريرية ومعه اختفاء الجراحة كأسلوب للعلاج.
شهر العسل هذا لم يدم طويلاً، فمع مرور الوقت بدأت تظهر عدة حالات
استجابت في البداية للعلاج بالأدوية ثم ما لبثت أن استعصت عليه، فبدأ
المريض بتناول كميات أكبر وأكبر من الدواء دون الحصول على نفس التأثير
المطلوب، فتتقلب حالة المريض بين الشلل التام والحركة المفرطة خلال اليوم
دون أن يرتبط ذلك بمواعيد أخذ الدواء، أو ظهور أعراض جانبية لهذه الأدوية
مثل مشاكل الهضم أو جفاف الفم. ولعل أكثر هذه الأعراض أهمية ظهور حركة
لاإرادية عند بعض المرضى تظهر عادة في الوجه والأطراف يتلوى أثناءها
المريض دون قدرته على السيطرة عليها مع أنه بكامل وعيه. ويطلق على هذا عسر
الحركة Dyskinesia. وكل هذه الأسباب أدت إلى إعادة التفكير في الجراحة
كإحدى الطرق العلاجية ولقد ساعد في ذلك أولا، التطور الحاصل في فهم وظائف
أجزاء المخ المختلفة وتأثرها وتأثيرها في داء باركنسون. ثانياً، التقدم في
جراحة الأعصاب والتصوير الطبقي مما جعل هذه العملية أكثر دقة وأماناً من
جهة وأكثر فاعلية في نتائجها من جهة أخرى، إضافة إلى النتائج الأولية
المشجعة لهذه الجراحة في عدد المراكز العالمية المتخصصة في هذه الجراحة
خلال السنوات القليلة الماضية.
حالياً هناك نوعان من العمليات الجراحية المتبعة، وهي الكيّ أو أجهزة
التنبيه الكهربي. وتتمحور فكرة التدخل الجراحي حول إيقاف نشاط الخلايا
الزائد عن الحد الطبيعي بسبب نقص الدوبامين مما يؤدي إلى تحسن حالة
المريض. وهناك دراسات كثيرة على علاجات متطورة، كذلك دراسة هندسة الجينات
(المورثات) وزرع خلايا خاصة من الجنين في الدماغ.