لا يأخذك الاستغراب بعيداً عندما يطلب الطبيب منك فتح فمك.
الدراسات الطبية تثبت العلاقة الوثيقة بين أمراض اللثة حول الأسنان وأمراض القلب!!.
جاء الى عيادة القلب احد المرضى يشتكي من آلام في صدره وضيق في التنفس عند المشي وخلال فحص القلب السريري طلبت منه كإجراء روتيني، فضلا، ان يفتح فمه.. لأني اريد رؤية اسنانه ولثته، فاستغرب مني كثيرا وقال لي: (ليش يادكتور؟) فأوضحت له ان هناك كثيرا من المعلومات يمكن ان يعرفها طبيب القلب بمجرد النظر الى الاسنان، فعلى سبيل المثال لا الحصر: ادمان التدخين، وتراكم البلاك والجير على الاسنان والتسوس وكذلك الاسنان المفقودة والتهابات وامراض اللثة حول الاسنان والتي لها علاقة وثيقة بأمراض شرايين القلب مثلها مثل التدخين، وارتفاع ضغط الدم والكولسترول، وامراض نقص نوع معين من الفيتامينات ونقص او زيادة الحديد في الدم وكلا الاخيرين يسببان امراضا للقلب..
اضف الى ذلك ان نظافة الاسنان تعطيك انطباعا عاما - وغالبا ما يكون صحيحا - عن اهتمام الشخص بصحته وتنظيف اسنانه ومتابعة طبيب الاسنان وبالتالي فهو من المرضى الذين ينتظمون على الادوية اذا احتاجوا لها وهم كذلك من الذين ينضبطون في مراجعة طبيب القلب اذا احتاجوا لذلك، بل وجدت بعض الدراسات ان من يمارسون الرياضة بانتظام صحة الاسنان لديهم افضل ممن لا يؤدون الرياضة بانتظام..
ومرضى القلب كغيرهم من المرضى قد تعرض عليهم عوارض امراض الاسنان واللثة ولكن في هذا المقام نريد الحديث عن العلاقة بين امراض القلب وصحة الاسنان وهي قد تكون من عدة اوجه:
أولاً: من لديهم امراض في الصمامات ويحتاجون علاجا للاسنان او اللثة مهما كانت نوعية العلاج: خلع، تنظيف، حشوات، علاج عصب، تقويم... فهم لا يحتاجون الى مضاد حيوي كوقاية من ناحية القلب ويترك القرار للدواعي الطبية من ناحية الاسنان ويستثنى من هذه القاعدة من لديهم صمام صناعي او سبق ان اصيب المريض بالتهاب بكتيري في الصمامات او لديه امراض وراثية في القلب من الطفولة قد تسبب الازرقاق او لديه زراعة للقلب.
ثانياً: ان آلام الاسنان من اشد الآلام التي ممكن ان يتعرض لها الانسان ومرضى القلب تحديدا يجب الا يتعرضوا لكثير من الالم فيجب معالجته موضعيا بمخدر موضعي واعطاء الدواء الفعال للتحكم في الالم مباشرة وبدون تأخير وذلك لان الالم يرفع نبضات القلب وضغط الدم الانقباضي الى مستويات عالية وهذا مما يزيد العبء المفاجئ على عضلة القلب والشرايين المريضة وقد يسبب الجلطات. وكثيرا ما ننصح بالابتعاد قدر الامكان عن استخدام الادرينالين مع المخدر الموضعي في هؤلاء المرضى وذلك لانه يزيد الجهد على عضلة القلب وبالتالي فإنه يعرضها للجلطات.
ثالثاً: لا غنى عن التنسيق المسبق بين طبيب الاسنان وطبيب القلب لما فيه مصلحة المريض فهناك بعض الادوية يمكن ايقافها وهناك بعض الادوية من الخطر ايقافها في فترة زمنية محددة وعمل هذه القرارات يحتاج الى اطلاع طبيب الاسنان والمريض وطبيب القلب حيث توزن المنافع والمضار المتوقعة من اجراء العملية في ذلك الوقت ويتخذ القرار المناسب.
رابعاً: اثبتت كثير من الدراسات الطبية ان هناك علاقة وثيقة بين امراض اللثه حول الاسنان periodentitis وامراض القلب وليس السبب ان كلاهما يزداد حدوثه مع كبر السن، او التدخين او السكري او ضعف المستوى المادي او التعليمي، بل هناك نظريات مختلفة واهمها نظرية الالتهابات الحاصلة في اللثة حول الاسنان وتأثيرها على جهاز المناعة وبالتالي تأثيره على جدار الاوعية الدموية في القلب وان كان هذا مفهوما نظريا ولم يثبت علميا بشكل قاطع حتى تاريخ كتابة هذا المقال وليس هذا هو موضع الدخول في تفاصيل العلاقة السببية بين المرضين.
ولم يثبت علميا ايضا ان علاج احدهما يعالج المرض الآخر او يمنع حدوثه وان كان هناك بعض الدراسات التي اشارت الى ان العلاج المكثف لامراض اللثة يمكن ان يحسن من توسع الاوعية الدموية الطرفية NEJM.356:911 ،2007... ولكن كل ماثبت حديثا ان وجود التهاب اللثة حول الاسنان متوسطة وشديدة يزيد من احتمالية وجود امراض شرايين القلب على درجاتها المختلفة.
وقد لوحظ ان عدم صحة الاسنان لدى مرضى جلطات القلب الحادة - تسوس وتراكم الجير والتهابات اللثة - اكثر بحوالي الضعف مقارنة بغيرهم من المرضى. وهناك تشابه الى حد ما، ما بين ان الاسنان تحتوى على املاح الكالسيوم ومحاطة بأنسجة اللثة فإن املاح الكالسيوم في شرايين القلب المحاطة بأنسجة شرايين القلب هي من علامات هرم الشرايين وتصلبها atherosclerosis وبالتالي ازدياد احتمالية انسدادها.
خامساً: ومن المهم معرفة ان الارتباط ليس بأمراض الاسنان عموما وانما بنوع معين وهوperiodontal diseases (التهابات ما حول الاسنان) وهي اكثر انتشارا من امراض شرايين القلب بكل تأكيد ولكن ايضا امراض القلب اخطر منها كثيرا بكل تأكيد ايضا. وتبسيطا للمفهوم فإن التهابات ما حول الاسنان تبدأ بالتهاب اللثة حول الاسنان وبالتالي انكماشها ووجود جيوب في اللثة التي قد تؤدي الى سقوط الاسنان في نهاية المطاف. وعلامات التهاب ما حول الاسنان هي: احمرار اللثة وانتفاخها ووجود جيوب عميقة حول الاسنان، وكذلك النزيف عند استخدام الفرشاة او خيط الاسنان، وانحسار اللثة، والم في اللثة عند المضغ، وتساقط الاسنان. وتحمى الاسنان باتباع نصائح طبيب الاسنان ومراجعته الدورية بانتظام.
سادساً: اوضحت المجلة الامريكية لعلم القلب ومجلة طب امراض اللثة المحيطة بالاسنانeditors of The American Journal of Cardiology and Journal of Peridontology بتاريخ 1 يوليو 2009 ان مرضى التهاب ما حول الاسنان بالذات الدرجة المتوسطة والشديدة منه ومن لديهم على الاقل عامل واحد من عوامل زيادة امراض شرايين القلب مثل التدخين ومرض السكري وارتفاع الكلسترول.. ينصحون بزيارة طبيب القلب للتأكد من عدم وجود امراض في شراين القلب لديهم.
التهاب اللثة الحاد .